موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

اكثر إلحاد الملحدين اليوم إعراض عن دين الله تعالى ورغبة في الإباحية

16 شعبان 1444 |

اكثر إلحاد الملحدين اليوم إعراض عن دين الله تعالى ورغبة في الإباحية

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد : فلقد اطلعت على تقرير لمركز صناعة المحاور ذكر فيه أن عدد الملتحقين في دوراتهم بلغ (117000) سبعة عشر ألفاً ومائة ألف من طبقة الشباب والشابات . والسؤال : هل هذا العدد الكبير من الملتحقين ببرنامج صناعة المحاور هم أنفسهم على عقيدة صحيحة عقيدة الكتاب والسنة ؟ وهل ينتهجون المنهج القويم منهج سلف الأمة ؟ أو أنهم خليط من أصحاب العقائد الضالة والمناهج المنحرفة ؟ وهل هؤلاء على قدر من العلم والفهم والقدرة على أن يُصنع منهم محاورن قادرون على محاورة الملحدين ؟ وهل يؤمن عليهم من الزيغ وتعلق الشبه في قلوبهم ؟ فهذا الواقع إما يغفل عنه أصحاب صناعة المحاور أو يتغافلون عنه وهذا الأقرب .

والغالب هؤلاء يقصدون تجميع اكبر عدد من الأتباع فمقصودهم كسب المشتركين في دوراتهم وليس محاورة الملحدين وهدايتهم . وهذا ما سأبينه في مقال قادم إن شاء الله تعالى . وهنا أعيد وأكرر ذكرى لمن تنفعه الذكرى وليفهم من لا يفهم إلا بعسر وصعوبة ولأقطع الطريق على كل يتقول عليَّ ويحمل الكلام ما لا يحتمل . فأقول : إن الإيمان بالله لا يصح ولا يستقيم إلا بأربعة أمور الإيمان بوجوده والإيمان بربوبيته والإيمان بألوهيته والإيمان بأسمائه تعالى وصفاته . وهذا بحمد الله تعالى ما تعلمته من علمائنا كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وغيره وقد قررته ودرسته وكتبت فيه منذ عشرات السنين وهذا لا يخفى إلا على من لا يعرف دروسي ، لكن بعض الناس يتعمد الكذب ويطعن بغيره ليدافع عن باطله بالباطل .

أقول : لا يكون الإنسان مؤمناً لمجرد إقراره بوجود الله تعالى ، بل يجب عليه أن يؤمن بربوبية الله تعالى أي أن الله تعالى هو الخالق المالك المدبر . فالإيمان بالربوبية على الرغم من أهميته ووجوبه غير أن الإقتصار عليه لا يكفي الإنسان ليكون به مؤمناً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإيمان بالربوبية : (وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر ، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين فلا يعبد إلا إياه فيكون دينه كله لله) انتهى كلامه من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (2 / 386) إذن مع أهمية توحيد الربوبية ووجوب الإيمان به غير أنه لا يكفي ، يجب معه توحيد الألوهية ولا يكفي مجرد الإقرار بالألوهية بأن يعتقد الإنسان أن الله تعالى هو الإله الحق المستحق للعبادة بل يجب مع ذلك أن يعبد الله تعالى لأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس لعبادته لا لمجرد إقرارهم بحقه للعبادة قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) (سورة الذاريات) وأمر الله تعالى الناس بعبادته فقال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21) (سورة البقرة) ، ولا تكون العبادة عبادة مشروعة مقبولة ما لم تكون خالصة لله خالية من شوائب الشرك قال تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (سورة النساء) (36) ولأن الشرك محبط للعمل قال تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة الزمر) (65) وقال تعالى : (ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سورة الأنعام) (88) ويجب أيضاً الكفر بكل ما يعبد من دون الله تعالى لقوله تعالى (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة) (256) ولحديث طارق الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ قال لَا إلهَ إلَّا اللهَ ، وكفَرَ بِما يعبُدونَ مِنَ دونِ اللهِ ، حرُمَ مَالُهُ ، ودَمُهُ ، وحسابُهُ على اللهِ عزَّ وجلَّ) رواه مسلم (23) ، ويجب أيضاً الولاء للمؤمنين الموحدين والبراءة من المشركين الكافرين قال تعالى :(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (سورة التوبة) (71) وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ) الآية (سورة الممتحنة) (1) وقال تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (سورة الممتحنة) (4) ويجب وجوباً أن تكون العبادة مشروعة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (سورة آل عمران) (31) وقال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (سورة الكهف) (110) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ) رواه مسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها . ويجب أيضاً أن نتبع سبيل الصحابة رضي الله عنهم لقوله تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (سورة النساء) (115) هذا هو دين الله تعالى الذي شرعه لعباده ، وليس مجرد الإقرار بوجود الله تعالى كما يدعو إلى ذلك جماعة صناعة المحاور .

وقد سئل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي : س : ما حكم من يقتصر في دعوته للناس على توحيد الربوبية ولا يتكلم عن أنواع التوحيد الأخرى ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : الذي يقتصر على تقرير توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية والأسماء والصفات لا شك أنه قاصر أو مقصر ، فتوحيد الربوبية لا يغني عن توحيد الألوهية، ولو كان يغني عن توحيد الألوهية لم يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في عهده لأن المشركين في عهده كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (سورة الزخرف) (87) وقال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (سورة الزمر) (38) فهم يقرون بالربوبية ويعلمون أن الله عز وجل رب واحد لا شريك له، لكن لا يقرون بتوحيد الألوهية، فكانوا يقولون: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (سورة ص) (5) فلا بد من تقرير توحيد الربوبية ، وتقرير توحيد الألوهية ، وتقرير توحيد الأسماء والصفات عند الحاجة إليه لا بد من هذا ) انتهى كلام شيخنا من الموقع الرسمي

قلت : إذا كان الإيمان بالربوبية وتوحيد الربوبية ليس كافياً ليكون الإنسان به مؤمناً موحداً فكيف سيكون مؤمناً موحداً لمجرد إقراره بوجود الله تعالى ؟ تنبيه في غاية الأهمية : عامة الملحدين اليوم الذين ينكرون وجود الله تعالى إنما إنكارهم عن مكابرة وأكثرهم ينكر وجود الله تعالى بقصد الإعراض عن الدِّين ورغبة في الإباحية واختياراً للحياة البهيمية وهروباً من التكاليف الشرعية فيدعي الإلحاد . ولقد سُمع لكثير ممن ينتسب للإسلام من يشرك بالله تعالى ومنهم من يسب الله ويسب الديِّن ، وأما الإستهزاء بأحكام الإسلام والسخرية بالديِّن وأهله فحدّث ولا حرج وأما الذين لا يصلون ولا يستقيمون على أحكام الله ورسوله فهم أكثر بكثير من المصلين . وعلاج هؤلاء يكون بدعوتهم إلى الله تعالى وبتذكيرهم بربهم وخالقهم ورازقهم وبيان حق الله تعالى عليهم ودعوتهم إلى التوبة النصوح والإنابة إليه والإستقامة على أمر الله ورسوله . بالطريق والهدي النبوي وليس بالبدع والمحدثات . وهل نترك الملحدين الذين ينكرون وجود الله تعالى فلا ندعوهم ولا نحاورهم ؟ ومن الذي يحاورهم ؟ وهل من المحاورين ملحدون يحتاجون إلى من يدعوهم إلى الإيمان الصحيح ؟ هذا ما سأبينه في المقال القادم إن شاء الله تعالى إذا كان في العمر بقية . والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المقالات