موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

‎الرد على مدعي التأصيل الشيخ فيصل بن قزار الجاسم

10 شعبان 1444 |

‎الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

‎أما بعد: فهذا رد مختصر سريع على ما تقوّل به عليّ الشيخ فيصل بن قزار الجاسم غفر الله له ولوالديه، ‎فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

‎أولاً: زعمت يا شيخ فيصل أنني أنكرت على من أنكر البيت الإبراهيمي، والحق أنني لم أُنكر على من أنكر ذلك المنكر العظيم. ‎فالبيت الإبراهيمي منكر وباطل ومنافي لأصل الإسلام ومنافي لعقيدة الولاء والبراء. ‎بل وقلتُ: لا يوجد شيء اسمه الدين الإبراهيمي بل الدين عند الله تعالى واحد وهو الإسلام الذي قال الله تعالى عنه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (3) “سورة المائدة” ‎وقلتُ أيضاً: إن موسى وعيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم كلهم مسلمون، وإبراهيم عليه السلام كان حنيفاً مسلماً ولم يكن يهودياً ولا نصرانياً، بل وما أنزلت التوراة على موسى عليه السلام ولا الإنجيل على عيسى عليه السلام إلا من بعده. ‎ووحدة الأديان والتقارب بين الأديان والبيت الإبراهيمي والأخوة الإنسانية كلها مسميات متقاربة بل ربما تكون متطابقة لحقيقة واحدة باطلة منافية للإسلام وهذا ما أعتقده منذ عشرات السنين وقررته في دروسي كثيراً. ‎لكنك أعرضت عن هذا وحرفت كلامي لأمرٍ الله أعلم به.. فحسبي الله ونعم الوكيل.

‎ثانياً: هناك من ينكر المنكرات التي في بعض الدول بسبب الخلاف السياسي، وهؤلاء هم الذين قصدتهم بالرد. ‎فمثلاً منهم من يُسمي دولة الإمارات دولة (الخمارات) مع أن الخمر يباع ويشترى ومرخص به علناً في دول أخرى فلا يُسميها بالاسم نفسه! ‎ومنهم وما أكثرهم شنع تشنيعاً شديداً على الإمارات بما يسمى بالتطبيع مع اليهود ولم يشنع معشاره على دول أخرى سبقت الإمارات وتفوقت عليها بالتطبيع والتعاون بجميع أنواعه حتى العسكري منها. ‎ومنهم من يعمر المعابد والكنائس ويرخصها ترخيصاً رسمياً في بلده ولا ينكر ذلك ولا يشنع على حكامها ولكن تجده ينكر ويشنع على من يختلف معه سياسياً. ‎والأمثلة كثيرة، فهؤلاء لا ينكرون المنكر إلا إذا أُشرب من هواهم، أليس كذلك؟ ‎فإن لم تكن منهم ولا توافقهم وتنكر المنكر - لوجه الله تعالى - لأنه منكر ومعصية لله ولرسوله فلماذا تتحسس من نقدي لهم؟ ‎ولماذا تدافع عنهم؟ ‎(إنها صفية)

‎ثالثاً: لم أنكر على من ينكر المنكر المعلن . وهذا أيضاً مما تقوّلت به عليَّ. ‎بل قلتُ ومازلت أقول وأكرر لمن لم يفهم كلامي أو صدق من يتقوّل علي: إن إنكار المنكر المعلن واجب وهو ما يقوم به علماء الإسلام قديماً وحديثاً. ‎وأنا المتطفل على مائدة العلماء أفعل بقولهم فأنكر المنكرات بالطريقة الشرعية وحسب القدرة. ‎وأعظم المنكرات الشرك والبدع والحكم بغير ما أنزل الله وبدعة التكفير والخروج، وأنكر سائر الكبائر والصغائر كالربا والزنا والظلم حتى التدخين وحلق اللحية والإسبال وغير ذلك. ‎وكلامي مسموع ومنشور ومسطور ومقروء بفضل الله تعالى، بل ورددت على وسيم يوسف الإماراتي من أول ما بدأ مشروع البيت الإبراهيمي ورددت على الدكتور محمد العيسى وكل ذلك محفوظ بإمكانك أن ترجع له، بل وأنا على شبه اليقين أنك تعلم ذلك! ‎فلماذا يا شيخ فيصل تتقوّل عليّ بما لم أقل؟!! قال تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)(112) (سورة النساء)

‎رابعاً: إشاعة الفاحشة ليست في الزنا فحسب كما ظننتَ، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) انتهى. ‎وهذا التفسير لا ينافي تفسير من فسر الفاحشة بالزنا، فكل مفسر يعبر بعبارته وأسلوبه وقد يتفاوتون بالإستنباط والتدبر. ‎ونشر مقاطع الرقص والحفلات والاختلاط والمتبرجات هذا من إشاعة الفاحشة بلا شك وتدبر قول الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (32) (سورة الاسراء) ولم يقل لا تزنوا فالنهي عن قرب الزنا أبلغ من النهي عن الزنا . لأنه نهي عن الزنا وعن كل ما يؤدي إلى الزنا أليس كذلك؟ ‎إذا تدبرت هذا وفهمتَه جيداً عرفت أنه لا بأس بالاستدلال بقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)) “سورة النور” على من ينشر مقاطع الحفلات والرقص والمتبرجات بحجة إنكار المنكر، فإنكار المنكر ليس بنشر مقاطع فيها منكر.

‎وقد استدل النبي صلى الله عليه وسلم على عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهما بقوله تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (54) (سورة الكهف)قال بعض أهل العلم منهم الشنقيطي رحمه الله تعالى: والآية نزلت في الكافر. ‎كما يستدل بعض السلف أيضاً بقوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)) (سورة يوسف) على الشرك الأصغر مع أن الآية في الشرك الأكبر. ‎والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكيف فاتك ذلك؟ ‎والظاهر ما نفعك تأصيلك، قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114) (سورة طه)

‎لقد كان كلامي عن الذين ينشرون مقاطع الحفلات والرقص والمتبرجات والاختلاط الحادث في بعض المهرجانات فرحين بنشر ذلك زاعمين أنهم ينكرون المنكر، والواجب يا شيخ فيصل أن تنكر عليهم بدلاً من أن تنكر عليَّ . ‎ثم بعد هذا التفصيل يا شيخ فيصل وفقك الله لكل خير، فإن اتفقنا على أنه لا يجوز نشر مقاطع الرقص والاختلاط والمتبرجات والتحرش بحجة إنكار المنكر فالحمد لله. ‎أما إن لم نتفق وقلتَ بل يجوز نشر ذلك، فقد أنكرت المنكر بمنكر أكبر منه وشاركت في اشاعة الفاحشة . ‎وهذا لا يجوز بالإتفاق. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)

‎خامساً: كلامي عن إشاعة الفاحشة لا علاقة له في البيت الإبراهيمي، لا من قريب ولا من بعيد. ‎فإما أنك فهمت كلامي خطأ مع وضوحه وإما أنك تعمدت أن تتقّول عليَّ بما لم أقله، فأنت بين أمرين أحلاهما مرٌ.

‎سادساً: العنوان على مقطعي، اخترته بنفسي، خلافاً لما ظننته. فاستغفر لذنبك خير لك من التمادي بسوء الظن.

‎سابعاً : مازلت يا شيخ فيصل تكرر كلمة التأصيل التأصيل وأنت كما يظهر لي - والله اعلم - تريد أن تزرع في ذهن المستمع والقارئ أمرين: ‎الأول: أن من ترد عليه لا يفهم في التأصيل، وإذا أصّل أخطأ وتناقض. ‎الثاني: تريد تبين للناس أنك أنت الذي تفهم في التأصيل والتقعيد والمطلع على كلام أهل العلم والتحقيق. ‎مع أنك ضعيف في التأصيل وكلامك متهالك! قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) (32) (سورة النجم) ‎واسمح لي أن أقول لك بأن بينك وبين المتعالم الذي يسب الشيخ صالح الفوزان دائماً شبه كبير، فكل منكما يظن في نفسه قمة التأصيل والتعقيد والحقيقة غير ذلك. ‎كما أن تأصيلاتك ليست ببعيدة عن تأصيلات صاحبك اللبناني المقيم ‎في لندن .

‎ثامناً: يا شيخ فيصل العُجب والإعتداد بالنفس يقصم الظهر وهذا يظهر عليك جلياً، من خلال الآتي: ‎أ / تتكلم بضمير الجمع فتقول: ‎فإن قال كذا “ قلنا “ كذا وكذا. ‎ب / تقارن نفسك بالشيخ العلامة المفتي عبدالعزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، فتعطي لنفسك الحق بالكلام كما للشيخ رحمه الله تعالى، والشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ولي أمر يحق له ما لا يحق لك! ‎ج / ذكرك للمراجع التي توهم بذلك السامع والقارئ أنك تقول بما قرره العلماء ولذلك تنصح بقراءة ما كتبه ابن تيمية وابن رجب والقاضي أبو يعلى والظاهر فاتك هذه المرة أن تذكر الدرر السنية !!

‎تاسعاً: علق على كلامك كثير من المتهورين الذين لا يقيمون للقصاص بالحسنات والسيئات وزناً، فمنهم من يقول: هذا كافر، ومنهم من يقول: منافق، ومنهم من يقول: اليهود والنصارى خير منهم، ومنهم من يلعن ومنهم من يسب ومنهم من يلمز بالألقاب وغير ذلك كثير، فهل هذا من وجهة نظرك منكر يجب إنكاره؟ ‎أو تتفق معهم أصلاً؟ ‎أو تقول كما قال أبو سفيان: لم آمر بها ولم تسؤني؟

‎عاشراً : نصيحة وقد تكون عزيزة وقد لا تسمعها من غيري: ‎حاول تتمالك نفسك، وتتجرد من الانتقام للنفس، فلا تُكرر جملة (في رده علي) واضبط عباراتك، وتخلص من صداقة فلان وفلان وابحث عن من يَصدقك لا من يُصدقك . فالعمر قصير والحساب عسير.

‎الحادي عشر: لما رددت عليك ألتزمت الصمت تماماً كأنك لم تسمع وغردت بقول من قال : ( إن من إهانة العلم أن تقاول كل من قاولك ) . ‎فما بالك ترجع مرة أخرى وتنشر رداً مطولاً ؟! ‎على كل حال لقد أعرضت عن كلامك الذي لا فائدة فيه وإلزاماتك الباطلة التي لم ألتزم بها أصلاً.

‎لكن قبل أن أختم مقالي عندي لك سؤال ياليت تجيب عليه بفروعه. ‎نص السؤال: هل للسرورية حقيقة ووجود؟ وكيف تعرف السروري؟ وهل تعرف أحداً سرورياً؟ وإذا كنت تعرف فاذكر أسماء بعضهم. ‎أعلم أن السؤال محرج جداً، لذلك أتوقع بأنك لن تجيب عليه. ‎وربما ستقول : (إن من إهانة العلم أن تقاول كل من قاولك)‼️ ‎وأنا فأقول لك: إن عدتَ عدتُ وبإذن الله تعالى سأبطل كل ما تظنه تأصيلا.

‎والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات