موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

التعليق الجلي على غلو فواز المدخلي .. ويليه : حوار بين زيد وعمرو

29 شوال 1437 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فقد نهى الله ورسوله ﷺ عن الغلو، فقال تعالى: ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [سورة النساء: ١٧١]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ» رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني في «صحيح الجامع (٢٦٨٠)».

والغلو كما بينه شيخ الإسلام في «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم»: «هو مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك» ا.ه.

ومن الغلو المذموم شرعًا وعرفًا الغلو في المشايخ والمتبوعين،كما قال المعلمي رحمه الله تعالى: من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل[ كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ١/ ١٨٤ط. المكتب الإسلامي.]، ولعل من ذلك ما نشره الأخ فواز المدخلي - غفر الله له ولوالديه - وهو قوله:

«حكمة أعجبتني ولعلها تعجبكم: إذا أردت أن تطرد الشيطان فإنك تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، أما إذا أردت أن تطرد الإخوان والحزبيين والخوارج التكفيريين فيكفيك أن تقول: "ربيع بن هادي المدخلي"» انتهى كلامه بحروفه.

فأقول: الشطر الثاني من كلام الأخ فواز المدخلي باطل، وليس فيه من الحكمة شيء، بل ويظهر لي أن فيه مخالفات شرعية، منها:

١. تشبيه قول: «ربيع بن هادي المدخلي» وأثره بطرد الأحزاب بالاستعاذة بالله في طرد الشيطان، وهذا لا دليل عليه من الكتاب والسنة، فالذي يطردهم الحجج والبراهين والأدلة وليس مجرد ذكر الاسم.

٢. قد يفهم بعض الناس - لا سيما العوام - وبالأخص الأعاجم وحديثي العهد بالاستقامة أو بالإسلام أن مجرد ذكر الاسم يحصل فيه طرد المخالفين، فإننا لا نضمن أن كل الناس سيفهمون كلامه كما أراده.

ومن المقرر أن الكلمة التي يحتمل أن تلتبس بمعنى سيئ يجب أن نتجاوزها إلى غيرها، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة: ١٠٤]، فنهاهم أن يقولوا ﴿رَاعِنَا﴾ وأمرهم أن يقولوا ﴿انظُرْنَا﴾.

٣. في كلامه تقليل من شأن الاستعاذة، وهذا أيضاً محتمل وإن لم يقصد ذلك.

٤. فيه من الغلو الظاهر ما لا يخفى.

٥. وفيه كذب، فقول: «ربيع بن هادي المدخلي» لا يطرد الأحزاب وغيرهم، فلو وقفت على مجموعة حزبيين أو التكفيريين وقلت: ربيع ربيع ربيع فهل سيطردهم قولك هذا؟!!

٦. فيه تشبيه الحزبيين بالشياطين، والقائل وغيره كثيراً ما يصفون من يختلفون معهم بـ(الحزبيين) حتى ولو كانوا ليسوا كذلك.

٧. فيه تنفير للحزبيين من الاستفادة من الشيخ ربيع.

٨. فيه تغرير الناس وتعليقهم بشخص الشيخ ربيع - لا سيما الأتباع -.

٩. فيه تعدٍّ على الشيخ ربيع، إذا كان الشيخ ربيع لا يرضى بذلك، وظني به أنه لا يرضى بهذا الكلام الباطل؛ كعادة العلماء الأفاضل.

١٠. فيه تهييج وإغاظة للناس على الشيخ ربيع وزيادة حنقهم عليه.

١١. وقد يظن بعض الناس أن الشيخ ربيعًا هو من قال له أو أفهمه تلك الحكمة بزعمه التي أعجبته.

١٢. فيه إساءة لكل من يحب الشيخ ربيعًا - وأنا منهم وأشهد الله على ذلك -، لأن كلمته تزيد في الكلام السيئ في الشيخ ربيع، وهذا ما يكرهه كل محب للشيخ ربيع.

ولو قال قائل: ما فائدة تعليقك على هذه الكلمة؟

فأقول:

أولا: هذا منكر، وإنكار المنكر مشروع؛ بل واجب.

ثانيا: لا ينبغي أن ننكر على أهل البدع فقط ونغض الطرف عن أهل السنة.

ثالثا: ليعلم كل الناس أننا نرد ونعلق ونناصح كل من أخطأ ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولا نحابي أحدا، فإن قال قائل: لعل الأخ فوازاً ما قصد إلا خيرا.

فأقول: حتى لو كان ما قاله قصده فيه حسن فهذا لا يمنع من التنبيه عليه.

أخي القارئ الكريم!

سبق أن كتبت محاورة قصيرة أرسلتها لبعض الإخوة فاستحسنوها، ولعل نشرها مع هذا التعليق يكون مناسبًا ونافعًا بإذن الله تعالى.

نص المحاورة:

هذا الحوار القصير بين متعصب للشيخ ربيع سميته «زيدًا»، ومحب للشيخ ربيع سميته «عمرًا».

زيد: الشيخ ربيع لا يجرح إلا عن علم ودراية وسبر وتريث وصبر ونصيحة.

عمرو: لستُ متابعًا لكل جديد يصدر للشيخ ربيع.

زيد: لماذا؟

عمرو: ولماذا أتابع كل جديد؟! لست بحاجة إلى ذلك، وكثيرًا من الأحيان أكون مشغولًا بغير مسائل المجروحين ومن استجد منهم.

زيد: لازم تتابع حتى تعرف من يؤخذ عنه ومن لا يؤخذ عنه.

عمرو: الحمد لله أعرف عمن آخذ وعمن لا آخذ.

زيد: لكن الشيخ العلامة ربيع حامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر لازم تأخذ عنه.

عمرو: إذا كنت تقصد باللزوم أي الوجوب الشرعي فهذا يحتاج إلى دليل من الكتاب والسنة، فلا واجب إلا ما أوجب الله ورسوله، فما الدليل؟

زيد: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ﴾ [سورة النساء: ٥٩] وهم الأمراء والعلماء.

عمرو: وهل هذه الآية فيها دلالة على أن الله تعالى أوجب عليَّ وعلى كل عباد الله أن يتابعوا الشيخ ربيعًا بعينه ويلتزموا كل أحكامه؟!!

زيد: لكن الله تعالى قال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل: ٤٣].

عمرو: إذا احتجت لمعرفة حكم من أحكام الله تعالى سألت أهل الذكر، وإذا لم أحتج فلا يلزمني السؤال، ثم كلامك خطأ واستدلالك بعيد، فالآية لا تدل على تخصيص الشيخ ربيع بالسؤال. ثم السؤال لأهل الذكر عن الذكر وهو القرآن وأحكامه والسنة التابعة للقرآن، وليس السؤال عن فلان وفلان.

زيد: لولا الإسناد لقال من قال ما قال، فلا بد من الجرح والتعديل.

عمرو: وهل سمعتني أنكر الجرح والتعديل؟!! يا أخي ما أنكرته، ولا قللت من شأنه.

زيد: لكنك قلت لا تتابع كل جديد ممن تكلم فيهم الشيخ ربيع.

عمرو: وضع العلماء علم الجرح والتعديل وقواعده لمعرفة رواة الحديث ليعلموا من تقبل روايته للحديث ممن ترد روايته، هل تعلم هذا؟

زيد: نعم أعلم هذا، فهل تقصد أن علم الجرح والتعديل قد انتهى؟

عمرو: انتظر قليلا، أنا أسألك هل يجب على كل المسلمين معرفة علم الجرح والتعديل المتعلق بكل راوٍ من رواة الحديث وما قيل فيه من جرح وتعديل وتعارض وترجيح وحجة المعدل وحجة المجرح على سبيل التفصيل؟

زيد: طبعا لا.

عمرو: ذلك ما كنت أبغي إذا كان كذلك؛ فلماذا تلزمني بمعرفة كل جديد ممن جرحهم الشيخ ربيع، وماذا قال فيهم، وما أخذ عليهم وووإلخ؟ أخي الكريم لا يجب عليَّ ولا على غيري، فإذا كان لا يجب عليَّ، والأمر لا يعنيني؛ فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. بل ولا يلزمني متابعة الشيخ ربيع ولا غيره في تبديع كل من بدعه.

زيد: لا يلزمني !! هذه من قواعد الحلبي.

عمرو: من قال أنها من قواعد الحلبي أو أنه أول من قال بهذا القول؟

زيد: علماؤنا قالوا ذلك.

عمرو: أكرم بهم من علماء، لكن العلماء أنفسهم قالوا لا يلزم شرعا متابعة أي أحد في كل ما يقول لا في الجرح والتعديل ولا في غيره إلا النبي ﷺ.

زيد: من تقصد من علمائنا من قال ذلك؟

عمرو: أحسب على اصابعك من الأموات والأحياء، الشيخ الألباني الشيخ ابن عثيمين الشيخ مقبل الوادعي الشيخ صالح الفوزان الشيخ عبدالمحسن العباد الشيخ عبدالعزيز الراجحي وغيرهم . وكلهم محفوظ عنهم كلامهم وموثق . والآن يا أخي زيد بعد ما سألتني كثيرًا هل تأذن لي بسؤال؟

زيد: تفضل.

عمرو: هل الشيخ ربيع معصوم؟

زيد: لا طبعا.

عمرو: وفي الجرح والتعديل هل الشيخ ربيع معصوم؟

زيد: طبعًا لا، كل إنسان وكل عالم يصيب ويخطئ.

عمرو: يعني ممكن الشيخ ربيع يخطئ في جرح أحد من الناس، أليس كذلك؟

زيد: أعوذ بالله! أعوذ بالله! يلزم من كلامك الطعن في الشيخ ربيع، ويلزم من كلامك أن الشيخ ربيعًا يجرح عن هوى وجهل، ويلزم من كلامك أن الشيخ ربيعًا فيه عجلة، ويلزم من كلامك أن الشيخ ربيعًا ينقل له النمَّامون فيقبل منهم ويصدقهم، ويلزم من كلامك إلغاء أحكام الشيخ ربيع، ويلزم من كلامك...، ويلزم من كلامك...

عمرو: لحظة لحظة أخي زيد، لحظة لحظة، رويدًا رويدًا، هل الشيخ ربيع معصوم؟

زيد: لا، لا ليس معصومًا.

عمرو: إذًا باعترافك بما أنه يخطئ فلماذا تلتزم وتلزمني وتلزم كل أحد أن يأخذ بكل أحكامه؟

زيد: كلامك فيه خبث، كلامك فيه طعن مبطن، أنت تغيرت، أنت كذاب دجال جبان.

عمرو: غفر الله لك ولوالديك عفا الله عنك، نحن متفقون على أن الشيخ ربيعًا ليس معصومًا، أليس كذلك؟

زيد: بلى.

عمرو: بما أن الشيخ ربيعًا ليس معصومًا، يصيب ويخطئ، حتى في الجرح والتعديل يصيب ويخطئ، فهل تعرف واحدًا أخطأ الشيخ ربيع في جرحه؟ إذا كنت تعرف اذكره لي وإذا كنت لا تعرف فقل لا أدري.

زيد: ها ها لا أدري لا أعرف.

عمرو: يعني موقفك أصبح مثل موقف المتعصبين للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، يقولون غير معصوم، لكن لا يعرف له خطأ أخطأه في حياته قط!!

زيد: أنت صاحب هوى، أنت تنتقص الشيخ ربيعًا، أنت حزبي متستر، والله لأبلغن الشيخ ربيعًا عما قلت، والله لأخبرنه أنك تتكلم عليه وتشكك فيه.

عمرو: بلغه، لا ضير لكن لي طلب واحد.

زيد: ما طلبك؟

عمرو: أن أكون برفقتك عند الشيخ ربيع.

زيد: لماذا؟

عمرو: حتى لا تكون نميمة، ألا تعلم أن نقل الكلام على سبيل الإفساد بين الاثنين نميمة؟! أريد حمايتك من النميمة التي هي من الكبائر سأذهب معك، وأتكلم أمامك بما قلته، وليسمع الشيخ كلامي، وحتى لا تنقل كلامي بزيادة ولا نقصان، وتقع في مسؤولية عظيمة.

زيد: اذهب أنت للشيخ ربيع واعتذر منه، وأصلح ما أفسدته، فقد نلت منه، وطعنت فيه، وووإلخ.

عمرو: الحمد لله ما نلت منه، ولا طعنت فيه، لكن العجيب الغريب أنك تتقول عليَّ وأنا أمامك، فكيف إذا غبت عنك؟! وقبل أن تنصرف سأسألك سؤالًا، هل بشار الأسد مسلم؟

زيد: نعم مسلم ولا أنكر على من يكفره.

عمرو: بشار نصيري أو سني؟

زيد: مسلم سني.

عمرو: كيف عرفت إسلامه فضلا عن سنيته؟ فالمشهور عنه أنه نصيري، والنصيرية أكفر من اليهود والنصارى. وهو أكبر حليف لإيران العدو اللدود للإسلام والمسلمين.

زيد: ظهر في التلفاز يصلي صلاة العيد، ويضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، فهذا يعني أنه سني ولا أستطيع تكفيره.

عمرو: لكنك خالفت الشيخ ربيعًا حامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر، فقد كفر بشار الأسد، فلماذا خالفته؟!!!

زيد: أنا لا أنكر على من يكفره.

عمرو: الشيخ ربيع أصاب أم أخطأ بتكفيره لبشار الأسد؟

زيد: هذا الذي عندي ليس لي جواب غيره.

عمرو: أنا سأقول لك الجواب، إنه الهوى «الهوى ما له دوا»، أنت تتبع هواك، وتتحزب مع من معك، وقد أفسدتم كثيرًا، وأفسدتم علاقات كثيرة بين الشيخ ربيع ومحبيه، ومنهم طلابه، وربما بعضهم هو من عرفكم بالشيخ ربيع. والله المستعان!

يا أخي زيد، قبل عشرين سنة كانت جمعية إحياء التراث تفرق السلفيين أهل السنة في العالم، فما نزلوا بلدا إلا وشطروه شطرين «ضد» و «مع»، واليوم أنتم بمنهجكم فرقتم أهل السنة وحملتم أسلوبهم نفسه، بل تجاوزتموهم فما من دعوة سلفية إلا وشطرتموها شطرين، ثم تنشطرون على أنفسكم بحجة واهية زينها لكم الشيطان، فأنتم الأقحاح الخلص، وغيركم زيف وأخلاط، وكأنما خصكم الله بالحق دون غيركم!!

نعم يا أخي الكريم، جهدكم الأول وجهادكم المقدم جعلتموه في أهل السنة، حتى ضعفت عندكم دعوة التوحيد والعمل بالسنة، فبعضكم - والله الذي لا إله إلا هو - لا تكاد تسمع له كلمة في التوحيد، أو الصلاة، أو في بر الوالدين، أو في تحريم الربا، أو في الحث على قراءة القرآن وحفظه وغير ذلك من شعب الإيمان التي هي بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة، فأكثر ما تعتنون به سقط فلان، واسقط فلان، وما تقول بفلان، وقد كان فلان .والله المستعان!

انتهى الحوار.

واللبيب بالإشارة يفهم.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات