موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

من سبق الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في إضافة «الحاكمية» قسماً رابعاً للتوحيد؟ وماذا قال العلماء في بدعة الحاكمية؟

26 رجب 1437 |

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن التوحيد هو دين الله تعالى، فمن أَجْلِ التوحيد خلق الله الجن والإنس، وأرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وشرع الشرائع، وحد الحدود، ومن أجله خلق الله تعالى الدنيا والآخرة، ومن أجله تحق الحاقة وتقع الواقعة وتقوم القيامة، ومن أجله توضع الموازين القسط، ويضرب الصراط، ومن أجله خلق الله تعالى الجنة والنار.

لذا اعتنى علماء الأمة بالتوحيد عناية لا نظير لها، وبعد استقراء العلماء للكتاب والسنة عرَّفوا التوحيد بأنه «إفراد الله بما يستحقه أو بما يختص به أو بما يجب له»،

وبالاستقراء قالوا بأنه ينقسم إلى قسمين:

١- توحيد المعرفة والإثبات.

٢- توحيد القصد والطلب.

ومن العلماء من فصَّل في القسم الأول وقسمه إلى قسمين، فصار التوحيد ثلاثة أقسام:

١-توحيد الربوبية.

٢-توحيد الأسماء والصفات.

٣-توحيد الألوهية أو توحيد العبادة.

ولتعريف القارئ وتذكير الناسي أقول:

توحيد الربوبية «هو إفراد الله بأفعاله؛ الخلق والملك والتدبير، فالله تعالى خالق كل شيء ومالك كل شيء ومدبر كل شيء ولا شريك له في ذلك».

وتوحيد الأسماء والصفات «هو الإيمان بما لله تعالى من الأسماء الحسنى والصفات العليا، من غير تعطيل ولا تحريف ومن غير تمثيل ولا تكييف، معتمدين في ذلك على الكتاب والسنة، وإنما قالوا من غير تعطيل، لأن التعطيل هو نفي ما أثبته الله ورسوله، ومن غير تحريف، لأن التحريف يفضي إلى نفي ما أثبته الله ورسوله، ومن غير تمثيل، لأن الله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ﴾ [الشورى: ١١]، ومن غير تكييف أي لا يجوز أن يزعم أحد كيفية معينة لله تعالى، والله يقول: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: ١١٠]».

وتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة «وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه».

وتقسيم التوحيد معروف عند علماء أهل السنة من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، ومتفق عليه، ولم يخالف في ذلك أحد معتبر من أهل السنة.

وممن قال بتقسيم التوحيد ولم يجعل «الحاكمية» قسماً رابعاً:

-أبو يوسف يعقوب الأنصاري - صاحب أبي حنيفة - توفي (١٨٢).

-ابن جرير الطبري توفي (٣١٠ ).

-أبو جعفر الطحاوي توفي (٣٢١ ).

-ابن بطة العكبري توفي (٣٨٧).

-ابن منده توفي (٣٩٥).

-شيخ الإسلام ابن تيمية توفي (٧٢٨).

-شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب توفي (١٢٠٦).

ومن المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ الألباني وشيخنا ابن عثيمين والشيخ حماد بن محمد الأنصاري، والشيخ بكر أبو زيد والشيخ عبد الله بن غديان رحمهم الله تعالى، والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والشيخ عبد المحسن العباد البدر والشيخ صالح اللحيدان والشيخ صالح الفوزان وغيرهم كثير.

وخالفهم وشذ عنهم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، فجاء بقسم رابع محدث مبتدع سماه «توحيد الحاكمية»، وقد أنكر هذا التقسيم كثير من علماء التوحيد والسنة الذين عُرِفوا بالتوحيد واشتهروا بعنايتهم به دراسة وتدريساً وتصنيفاً وتأليفاً ودفاعاً وذباً ونشراً ونصرة، وهم أهله وأنصاره، يُذكر علم التوحيد عند ذكرهم ويُذكرون عند ذكر علم التوحيد. وممن حفظ عنه إنكار «توحيد الحاكمية» قسماً رابعاً للتوحيد: الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين، والشيخ المحدث حماد الأنصاري، والشيخ العلامة عبدالعزيز آل الشيخ والشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ العلامة عبد الله بن غديان، والشيخ العلامة بكر أبو زيد وغيرهم.

فإذا عرفت هذا أخي القارئ الكريم تبين لك أن علماء السنة والتوحيد منذ قرون من عمر الإسلام لم يذكروا «توحيد الحاكمية» قسماً رابعاً للتوحيد!!

إذن من سبق الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق؟

الجواب: سبقه بعض من لا يعتد به في علم التوحيد كالمودودي وسيد قطب فهذان سلفه، وهما غير معروفين بالعلم، فتبعهما وخالف في ذلك عامة أهل العلم.

وإليك أخي القارئ الكريم بعض أقوال العلماء فيمن قسم التوحيد وأضاف «الحاكمية» قسماً رابعاً.

سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي:

بدأ بعض الناس- من الدعاة - يهتم بذكر «توحيد الحاكمية»، بالإضافة إلى أنواع التوحيد الثلاثة المعروفة. فهل هذا القسم الرابع يدخل في أحد الأنواع الثلاثة أم لا يدخل، فنجعله قسماً مستقلاً حتى يجب أن نهتم به؟ ويقال: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب اهتم بتوحيد الألوهية في زمنه، حيث رأى الناس يقصرون من هذه الناحية، والإمام أحمد في زمنه في توحيد الأسماء والصفات، حيث رأى الناس يقصرون في التوحيد من هذه الناحية، وأما الآن فبدأ الناس يقصرون نحو «توحيد الحاكمية»، فلذلك يجب أن نهتم به، فما مدى صحة هذا القول؟

الجواب: أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وليس هناك قسم رابع، والحكم بما أنزل الله يدخل في توحيد الألوهية؛ لأنه من أنوع العبادة لله سبحانه، وكل أنواع العبادة داخل في توحيد الألوهية، وجعل «الحاكمية» نوعا مستقلا من أنواع التوحيد عمل محدث، لم يقل به أحد من الأئمة فيما نعلم، لكن منهم من أجمل وجعل التوحيد نوعين: توحيد في المعرفة والإثبات؛ وهو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد في الطلب والقصد؛ وهو توحيد الألوهية، ومنهم من فصل فجعل التوحيد ثلاثة أنواع كما سبق. والله أعلم.

ويجب الاهتمام بتوحيد الألوهية جميعه، ويبدأ بالنهي عن الشرك؛ لأنه أعظم الذنوب ويحبط جميع الأعمال، وصاحبه مخلد في النار، والأنبياء جميعهم يبدؤون بالأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك، وقد أمرنا الله باتباع طريقهم والسير على منهجهم في الدعوة وغيرها من أمور الدين.

والاهتمام بالتوحيد بأنواعه الثلاثة واجب في كل زمان؛ لأن الشرك وتعطيل الأسماء والصفات لا يزالان موجودين، بل يكثر وقوعهما ويشتد خطرهما في آخر الزمان، ويخفى أمرهما على كثير من المسلمين، والدعاة إليهما كثيرون ونشيطون. وليس وقوع الشرك مقصوراً على زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا تعطيل الأسماء والصفات مقصوراً على زمن الإمام أحمد - رحمهما الله -، كما ورد في السؤال، بل زاد خطرهما وكثر وقوعهما في مجتمعات المسلمين اليوم، فهم بحاجة ماسة إلى من ينهى عن الوقوع فيهما ويبين خطرهما. مع العلم بأن الاستقامة على امتثال أوامر الله وترك نواهيه وتحكيم شريعته - كل ذلك داخل في تحقيق التوحيد والسلامة من الشرك.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: بكر أبو زيد: عضو، صالح الفوزان: عضو، عبد الله بن غديان: عضو، عبد العزيز آل الشيخ: نائب الرئيس، عبد العزيز بن عبد الله بن باز: الرئيس.[فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية (١/ ٣٧٦-٣٧٧)].

وسئل شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي:

ما تقول فيمن أضاف للتوحيد قسماً رابعاً وسماه «توحيد الحاكمية»؟

الجواب: نقول: إنه ضال وجاهل؛ لأن «توحيد الحاكمية» هو توحيد الله عز وجل، فالحاكم هو الله عز وجل، فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء: توحيد الربوبية فإن «توحيد الحاكمية» داخل في توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل، وهذا قول محدث منكر، وكيف «توحيد الحاكمية»؟ ما يمكن أن توحد هذه! هل معناه: أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا؟ فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها، فهذه بدعة وضلالة. [لقاء الباب المفتوح - (رقم اللقاء ١٥٠)].

أخي القارئ الكريم لم أنته بعد من الدفاع عن التوحيد، ورد بدعية تقسيمه إلى أربعة أقسام، فتابعني في مقال قادم إن شاء الله تعالى.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات