موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

(أخي أبا محمد، لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)

15 صفر 1437 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذه رسالة كتبتها لأحد الإخوة من طلاب الشيخ الدكتور طارق بن حسين السبيعي حفظه الله تعالى، وقد جرت بيني وبينه مراسلة، اطلع أحد الإخوة على بعضها فطلب مني نشرها، فأجبته لذلك.

من سالم بن سعد الطويل

إلى أخي الكريم أبي محمد حفظك الله تعالى

السلام عليك ورحمة الله وبركاته

أعيذك بالله من اتباع الهوى، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ﴾ [ص: ٢٦]، ولقد قلت لك لا تكن كالعصفور يقفز من غصن إلى آخر، ولربما قفز من غصن ثم عاد إليه، وهذا الأسلوب في الحوار ليس جيداً.

بالنسبة لمسألة (الطعن في الصحابة)، لا أظن أن أي مسلم عاقل يخفى عليه خطورة الطعن بالصحابة، بل ولا أظن أن عامياً من عوام أهل السنة يهون عليه الطعن بالصحابة رضي الله عنهم، فالطعن لا يجوز في آحاد المسلمين فكيف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟!

ولقد سلك بعض الإخوة - هداهم الله - مسلك الذين من قبلهم: عبد الرزاق الشايجي، ووليد الطبطبائي، وشيخهما الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، ففي منتصف التسعينات عمدوا إلى بعض تسجيلات الشيخ ربيع والشيخ فلاح مندكار واستخرجوا منها جملاً ومفردات من هنا وهناك، ووضعوا لها عناوين بارزة لينالوا من المشايخ السلفيين.

فمثلاً الشيخ فلاح مندكار كان له محاضرة يدافع فيها عن الصحابة دفاعاً عظيماً، وكان ينفي بشدة أن يكون الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في العقيدة، ويرد على الذين يجيزون الاختلاف في العقيدة، أو يهونون من خطورته، زاعمين أن الخلاف قد وقع بين الصحابة رضي الله عنهم، وفي سياق كلامه - الذي كان يتكلمه ارتجالياً وبحماسة شديدة - قال كلمة أشد ما يقال عنه بأنه لم يوفق فيها، أو - كما يقال - خانه التعبير، وهي قوله: «الصحابة لم يختلفوا في العقيدة، وإنما اختلفوا على من أولى بالخلافة، يعني اختلافهم كان على (الكراسي) ولم يكن في العقيدة»، انتهى كلامه.

فطاروا بهذه الكلمة، وسجلوها مكررة، وعلقوا عليها تعليقات ظالمة، وزعموا أن الشيخ فلاحاً يطعن بالصحابة رضي الله عنهم، وزعموا أنه يخوض في ذكر ما حدث بينهم من الفتن، وكان الواجب عليه أن يمسك لسانه، وأنه بذلك قد خالف اعتقاد أهل السنة والجماعة إلخ

والمنصف المتجرد من الهوى لا يمكن أن يشك في الشيخ فلاح، وهو رجل من أهل السنة سلفي مخضرم، قد تتلمذ على أكابر علماء أهل السنة في هذا العصر، وهو دكتور العقيدة، بل معدود من علماء أهل السنة، فمثله لا يمكن أن يكون قصده الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم!

كيف وقد كانت كلمته أصلاً في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم، وذب عن عقيدتهم التي اتفقوا عليها؟!، فهم «الجماعة»، وما سموا بذلك إلا لاجتماعهم على عقيدة الكتاب والسنة.

وكذلك فعل الشيخ علي الحلبي ومن معه بالشيخ ربيع لما أحضرت الأنفس الشح وتبادل أتباعهما التهم، وتراشقوا، وانقسموا إلى كتلتين، كل كتلة لها موقع إلكتروني تنطلق منه، وقد جمع كل منهم ما جمعه على الآخر من المسموعات والمطبوعات، لا سيما فلتات اللسان وهي كثيرة جداً، ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾ [النبإ: ٢٦]، كما تلزمنا نلزمك، فكما يفعل أتباع الشيخ ربيع بالشيخ الحلبي فعل أتباع الشيخ علي الحلبي بالشيخ ربيع، وكلما جاء أحدهم بالإلزامات جاء الآخر بمثلها، ومن ذلك قول الشيخ ربيع: «يعني الله درويش درويش»، وهذه كلمة أكبر بكثير من كلمتي التي حملوها ما لم تحتمل، وزعموا أني قصدت بها - والعياذ بالله - الطعن بالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، مع أني أجزم بل وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو - بحسب معرفتي - بأن الشيخ ربيعاً ما قصد إلا خيراً، ولم يقصد الإساءة إلى الله رب العالمين.

والشاهد: أنني في درس قد لا يتجاوز الحضور فيه عشرين طالباً قلت كلمة في التحزب، وأن التحزب في نفوس كل الناس، وبعض الناس يزعم أنه غير متحزب، بل وليس فيه من حزبية ذرة، ويزكي نفسه في ذلك، وفي المقابل يرمي غيره بالحزبية، بل لا يكاد يسلم عنده أحد من الحزبية والتحزب، ويقول: الحزبية بدعة، وعليه كل الدعاة عنده حزبيون إلا هو ومن معه، فقلت: «الواقع أن التحزب أو التعصب في نفوس كل الناس، حتى الصحابة لما قالوا: يا للمهاجرين يا للأنصار»، وهنا انتهى كلامي.

ولم أقل الصحابة كانوا متحزبين، ولا استمروا في حزبية، ولم أبرر للأحزاب تحزبهم، ولم أقصد الطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا من قريب ولا من بعيد، ولا بقصد ولا بغير قصد، وأصلاً لم يسمع كلمتي تلك إلا نزر قليل من الطلبة ممن حضر ذلك المجلس، لكن أصحاب الهوى أخذوا هذه الكلمة واحتفظوا بها في الأرشيف، وبعد سنوات، لاحظ بعد سنوات، لما أعلن عليّ الحرب كبيرهم الأخ محمد العنجري أخرجوا تلك الكلمة من الأرشيف، وطاروا فيها ونشروها، ووضعوا لها عنواناً من قرأه من أول وهلة ظن أن المتكلم رافضي من الروافض وليس سالماً الطويل، حتى أن أحدهم وهو معروف بالهدوء والسكوت - وهو الدكتور فواز العوضي - أقحموه في وجهي، فكتب مقالاً مطولاً في نحو ثلاثين صفحة، يرد فيه عليّ، مع أني لا أعلم أنه كتب رداً مطولاً مثله على غيري لا من قبل ولا من بعد!!!

وهذا التصرف ليس مستغربًا ممن قصده مجرد التشفي والانتقام، فلو كان بدافع الغيرة على الصحابة رضي الله عنهم والدفاع عنهم لبادروا بالرد من أول لحظة سمعوا فيها كلامي، لما رواه الإمام مسلم في «صحيحه»، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْه»، أما أن يحتفظوا بهذه الكلمة ويستخرجوها من الأرشيف بعد سنوات، ويطلبوا من بعض المشايخ التعليق عليها، فهذا يفضح قصدهم، والله المستعان.

قال السجزي في كتابه «الرد على من أنكر الحرف والصوت»، صفحة (٣٠٨): «أن كل من يخالفهم نسبوه إلى سب العلماء لينفروا قلوب العوام عنه» انتهى.

قلت: وهذا الذي يفعله هؤلاء تماماً، فكثيراً ما يزعمون بأن فلاناً يطعن بالعلماء، بل ويذهبون إلى العالم الفلاني ويقولون فلان قال فيك كذا وكذا، وإذا لزم الأمر تجدهم يرفعون سقف الاتهامات، فيقولون: فلان يطعن بالصحابة رضي الله عنهم!!!

والعجيب أن في كلمتي نفسها قلت: قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «الحَسَدُ فِي كُلِّ جَسَدٍ»، فهل الحسن البصري رحمه الله تعالى طعن في الصحابة رضي الله عنهم لأنه قال في كل جسد ولم يستثن الصحابة رضي الله عنهم؟!

أخي الكريم - عصمك الله من الهوى - أين الشريط التي تكلمت فيه تلك الكلمة؟ أنا عن نفسي ليس عندي منه نسخة!!

فلماذا لا يظهرونه للناس؟

هل يخشون أن تتبين الحقيقة ويظهر للناس أن الموضوع لم يكن عن الصحابة أصلاً بخلاف ما صوره أصحاب الهوى؟!

قبل أيام راسلني أحد الإخوة من خارج الكويت، وطلب مني الرجوع عن الطعن بالصحابة!!!

فقلت له: سبحان الله! لم أطعن بالصحابة رضي الله عنهم - والحمد لله رب العالمين - حتى أرجع عن ذلك.

فقال: إذا العلماء فهموا من كلامك بأنك تطعن بالصحابة فكيف بالعامة؟

فقلت له: من العلماء الذين قالوا سالم الطويل طعن بالصحابة؟ ممكن تسميهم لي؟

فقال: أقصد واحداً من العلماء وهو الشيخ عبيد الجابري.

قلت له: أين كلام الشيخ عبيد الجابري الذي قال فيه سالم الطويل طعن بالصحابة؟ لأنني رجعت لكلام الشيخ عبيد فما سمعته يقول سالم الطويل طعن بالصحابة.

فقال: السائل الذي سأله ذكر في سؤاله للشيخ عبيد الجابري أن سالماً الطويل يطعن بالصحابة والشيخ عبيد أقره.

قلت له: السائل لم يقل سالم الطويل طعن بالصحابة فضلاً عن أن يقره الشيخ عبيد الجابري، ثم الشيخ عبيد ليس نبياً حتى نأخذ بإقراره.

ثم أرسلت له المقطع الصوتي، فسمعه، ثم أرسل لي يعتذر جداً . جزاه الله خيراً.

ثم قال: والله من كثرة ما نشروا عنك بأنك تطعن بالصحابة صدقت ذلك!!

أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، والله إنهم أصحاب هوى، وكما قيل: الهوى ما له دوا، وهذا أسلوب أهل الأهواء قديماً وحديثاً، فكم من صاحب هوى اليوم من يتهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى مثلاً بالإرهاب وتكفير المسلمين، حتى لو سقت له عشرات الأدلة والبراهين فإنه لن يتوقف عن الطعن بالشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلا أن يشاء الله تعالى.

أخي الكريم يفترض في المسلم السالم من الهوى أن يفرح بسلامة أخيه من الزلل، فلو قال لم أقصد بكلمتي هذه الطعن، فلنقل الحمد لله الذي سلم أخانا من الزلل، لكن للأسف أصحاب الأهواء مهما تبين لهم قصدك تجدهم يصرون على تلبيسك الباطل، واتهامك به، بل ويفرحون بالخطأ والزلة والله المستعان!

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه «مدارج السالكين (٤٨١/٣)»: «وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ يَقُولُهَا اثْنَانِ، يُرِيدُ بِهَا أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ الْبَاطِلِ، وَيُرِيدُ بِهَا الْآخَرُ مَحْضَ الْحَقِّ، وَالِاعْتِبَارُ بِطَرِيقَةِ الْقَائِلِ وَسِيرَتِهِ وَمَذْهَبِهِ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ» انتهى كلامه.

سبحان الله العظيم! أين أهل الأهواء من هذا الكلام القيّم من ابن القيّم؟!

لقد قلت مراراً أردت بالتحزب الذي وقع فيه بعض الصحابة رضي الله عنهم ونهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم وانتهوا «التعصبَ» الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية، فلماذا لا تقبلوا مني بيان قصدي وكفى؟!

حتى لو لم تقتنعوا بكلامي فقولوا كلامك خطأ، أو هذا القول خطأ، أو استدلالك خطأ، لا أن تقولوا إنك تعمدت الطعن بالصحابة!

لا شك أن للصحابة مقاماً كبيراً لا يختلف في ذلك سُنّيّان، ولكن هذا لا يعني عصمتهم، بل كما ذكر الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - في تعليقه على الواسطية أنهم رضي الله عنهم في الجملة تجوز عليهم الكبائر، وإلا ما الفرق بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم؟!

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في «مجموع الفتاوى (٦٩/٣٥)»: «فَأَمَّا الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ: فَلَيْسُوا بِمَعْصُومِينَ، وَهَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ، وَأَمَّا مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ: فَتَارَةً يُصِيبُونَ، وَتَارَةً يُخْطِئُونَ. فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَخَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ».

أخي الكريم هذا ما تيسر لي كتابته، فإذا انتهينا من هذا البحث فبإمكانك أن تنتقل معي إلى عنصر آخر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقالات