موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

أيها المحتفلون بالإسراء والمعراج أفلا تعقلون؟!

30 رجب 1428 |



الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والصلاة والسلام على من عُرِجَ به إلى السماوات العُلا، أما بعد:



فإن الله تعالى أكرم نبيه صلى الله عليه وسلم ورفع شأنه وأيده بالآيات البينات وزوده بالمعجزات والكرامات، وكان من جملة تلك الأيات أن أسرى بعبده ليلاً كما في قوله تعالى )سُبْحَانَ الَّذًي أَسْرَى بًعَبْدًهً لَيْلاً مًّنَ الْمَسْجًدً الْحَرَامً إًلَى الْمَسْجًدً الأَقْصَى الَّذًي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لًنُرًيَهُ مًنْ آيَاتًنَا إًنَّهُ هُوَ السَّمًيعُ البَصًيرُ) [الإسراءـ1]، ثم عرج به عليه الصلاة والسلام وبصحبة جبريل عليه السلام إلى السماوات العلا وهناك رأى من آيات ربه الكبرى كما في قوله تعالى ((عَلَّمَهُ شَدًيدُ الْقُوَى ذُو مًرَّة فَاسْتَوَى (أي جبريل عليه السلام) وَهُوَ بًالْأُفُقً الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنً أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إًلَى عَبْدًهً مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (أي جبريل عليه السلام) عًندَ سًدْرَةً الْمُنْتَهَى عًندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إًذْ يَغْشَى السًّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مًنْ آيَاتً رَبًّهً الْكُبْرَى)) [النجم: 5ـ 18[. 

وفي تلك الليلة فرضت الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكان من شأنه ما قصّه علينا الرسول عليه الصلاة والسلام كما في حديث طويل رواه البخاري في صحيحه رقم (7517) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأخرجه البخاري رقم (3207) من حديث أنس أيضا، وأخرجه مسلم (162) عن أنس بن مالك رضي الله عنه وكان الإسراء والمعراج قبل الهجرة ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعاش فيها عشر سنوات ولم يحتفل بذكرى ليلة الإسراء والمعراج ولم يميزها بقيام، ولم يميز يومها بصيام ومضى عهد الصحابة من الخلفاء الراشدين كذلك مضى عهد التابعين وتابعيهم ولم يعرف في صدر الإسلام ما يسمى بذكرى الإسراء والمعراج.



أخي القارئ الكريم لقد امتازت تلك الليلة التي أُسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم لكن ليست بالضرورة كلما دار الزمان سيصادف ليلة مثلها، وهذا بخلاف ليلة القدر أو يوم عرفة أو يوم النحر أو عاشوراء أو نحو ذلك مما تتعلق به أحكام شرعية وسنن نبوية.

أما ليلة الإسراء والمعراج فلا يتعلق بها شيء من الأحكام أو فضائل الأعمال وأكبر دليل على ذلك أن الله تعالى لم يحفظ لعباده هذه الليلة بالتحديد ولم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ وقتها لأمته ولم يكن الله تعالى أن يترك عباده سدى وهملاً، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك فبين لأمته كل ما يقربهم إلى الله تعالى وينالوا به رضاه. 

أما وقد وقع الخلاف الكثير في تحديد هذه الليلة فهذا أكبر دليل على عدم مشروعية ذكرى الإسراء والمعراج لو كانوا يعقلون.



ذكر الخلاف في متى كان الإسراء والمعراج



قال الحافظ ابن حجرـ رحمه الله: (وقد اختلف في وقت المعراج فقيل كان قبل المبعث وهو شاذ، إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه وهو مردود فإن في ذلك اختلافا كثيرا يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر وقيل بستة أشهر وحكى الثاني أبو الربيع بن سالم وحكى ابن حزم مقتضى الذي قبله لأنه قال كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة.

 وقيل بأحد عشر شهراً جزم به إبراهيم الحربي حيث قال في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، ورجحه ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل قبل الهجرة بسنة وشهرين حكاه ابن عبد البر وقيل بسنة وثلاثة أشهر حكاه ابن فارس وقيل بسنة وخمسة أشهر قال السدي وأخرجه من طريقه الطبري والبيهقي فعلى هذا كان في شوال أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول وبه جزم الواقدي وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرا وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا وقيل كان في رجب حكاه ابن عبد البر وجزم به النووي في الروضة وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه ابن الأثير وحكى عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين ورجحه عياض ومن تبعه) [فتح الباري7/254[.

 وقال ابن القيم رحمه الله: (قال ابن عبد البر وغيره كان بين الإسراء والهجرة سنة وشهران) [زاد المعاد ـ 2/70[.

وقال أبو شامة في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث 1/74): (وقد ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب قال الإمام أبو إسحاق الحربي: أُسري برسول الله ليلة 27 شهر ربيع الأول قال وقد ذكرنا ما فيه من الاختلاف والاحتجاج في كتابنا المسمى الابتهاج في أحاديث المعراج) أ هـ.



أخي القارئ العزيز وفقني الله وإياك إلى التمسك بالسنة هل يبقى أدنى شك أن الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر محدث ما أنزل الله به من سلطان، إذ لو كان مشروعا وقربى إلى الله تعالى لما وقع الخلاف الكبير في تحديد ليلة وقوعه بل لحفظه الله تعالى لعباده حتى يتقربوا به إليه، ولو كان قربى إلى الله تعالى لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولنقل إلينا بالسند الصحيح فما بال المحتفلون لا يكادون يفقهون حديثاً؟ أفلا تعقلون؟!



المعراج من أكبر الأدلة على علو الله تعالى

إن مناهج وعقائد أهل البدع متناقضة غاية التناقض!! وذلك لأنها من عند غير الله تعالى. 

فتجدهم يثبتون المعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتفلون بذكراه مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل فيه ولم يرشد إلى ذلك، كما أنهم يثبتون معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا وينكرون أو يشكون أو يتوقفون في علو الله تبارك وتعالى.



أخي القارئ هل مرَّ بك قط أجهل من هؤلاء القوم أو أشد اتباعاً للهوى منهم؟! إذا لم نقل بأن الله تعالى فوق السماء فإلى من عرج النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن فرض عليه الصلاة في السماوات العلا؟

 فهل بعد هذا الضلال من ضلال؟!

 ولقد سمعت بنفسي ذات يوم أحد المحتفلين بذكرى الإسراء والمعراج قال في مقدمة كلامه (سبحان من لا يُسأل عنه بأين)، فقلت: سبحان الله وتعالى الله علوا كبيرا عما يقول هذا وأمثاله أتنزه الله تعالى عن أن يسأل عنه بأين وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم جارية فقال: أين الله؟ فقالت: في السماء، كما هو في صحيح مسلم)537) 

لا إله إلا الله ما أحوج هذا المحاضر الذي يحمل لقب (دكتور) وما أحوج من استضافه واستمع إليه، ما أحوج هؤلاء لجارية ترعى الغنم على فطرتها تعلمهم العقيدة!! 

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينزه الله تعالى عن السؤال عنه بـ (أين) والجارية المؤمنة راعية الغنم لم تقل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (سبحان من لم يسأل عنه بأين) بل قالت: الله في السماء. 

فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى نعمة السنة وعلى نعمة العقل.



أخي الكريم ثبتك الله على الحق للزيادة والمعرفة في حكم الاحتفال وإحياء ذكرى الإسراء والمعراج راجع فتاوى العلامة المحدث الفقيه المفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1/183).



والله اسأل أن يوفق جميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح والحمد لله أولا وأخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات