موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

(رسالة من مكروب)

18 ربيع الأول 1436 |

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد:

فلقد وصلتني رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية من أخ يشتكي من تصرفات زوج ابنته وآخرين يسعون إلى تشتيت أسرته وتخبيب زوجته عليه، وهذا نصها:

هل من مسلم يحتسب الأجر ويبلغ سؤالي للعلماء؟

إخواني المسلمين في بلاد الحرمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو من الله تعالى أن يوفق واحداً منكم - يحتسب الأجر - ويعرض سؤالي على أحد علماء أهل السنة، ويسجل الإجابة صوتياً مع ذكر التاريخ، وسأكون أنا وأسرتي - على وجه الخصوص - والجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية - على وجه العموم - له من الشاكرين، وجزاكم الله خيراً.

نص السؤال:

فضيلة الشيخ، أحسن الله إليك.

السلام عليكم الله وبركاته،،،،

أما بعد: فأني رجل مسلم أمريكي قد قاربت الستين من عمري، وأعمل داعياً إلى الله تعالى وموجهاً دينياً في أحد السجون الأمريكية، ومتزوج منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، وعندي خمس بنات تتراوح أعمارهن من ٢١ إلى ٣٥ سنة، وبنتان منهن من حفظة كتاب الله تعالى - ولله الحمد والمنة -، وهما في العشرينات من أعمارهما، ولقد لاحظت في الآونة الأخيرة قد تأثرت زوجتي وهاتان البنتان بمنهج - أظنه - والله أعلم - حسب فهمي ليس من الإسلام في شيء، بل هو دخيل على المنهج السلفي، بإسم المنهج الواضح، وهو الإلزام بالتبديع، والتحذير من بعض المشايخ السلفيين من أهل السنة من الذين ما عرفنا عنهم إلا خيراً، فهم دعاة للتوحيد والسنة بفهم سلف الأمة.

ولقد تأثر زوج إحدى بناتي بهذا المنهج، فغير عليّ ابنتي وهجرني، وأمر ابنتي بمقاطعتي تماماً، وأمرها أن لا تصاحبني في الدنيا معروفاً، مع أني مسلم سني ادعو إلى الله تعالى.

ثم تطور الأمر فغَرر بعض الدعاة ممن ينتهجون هذا النهج بناتي وخببوا عليّ زوجتي، وتعصبوا لأحد المشايخ في المملكة العربية السعودية ولهم صلة به، عن طريق بعض الأشخاص منهم (أحمد ب.) في مكة، والثاني (أسامة ع.) في المدينة، والثالث والرابع (محمد. ع) و(أحمد . س) في الكويت وغيرهم، قلدوهم التقليد الأعمى، وتعصبوا ذلك التعصب المذموم الذي طالما نبذه وحذر منه علماء أهل السنة، وللأسف استطاعوا إقناع زوجتي وبناتي بأن يطلبن مني توضيح منهجي، وتحديد موقفي وذلك بتبديع أو التحذير أو الطعن ببعض المشايخ، كالشيخ (فلاح . م) والشيخ (إبراهيم .ر) وغيرهما.

فرفضت ذلك تماماً، وبينت لهن أن الكلام في أهل العلم بهذه الطريقة لا يجوز، وليس هذا مما تعلمناه منذ سنين وعرفناه من دين الله تبارك وتعالى وليس هذا من المنهج السلفي، وأن هذا المنهج بلا شك دخيل على الدعوة السلفية، وهو أمر خطير للغاية، فأقل ما فيه أنه غيبة لهؤلاء المشايخ، وهذه والله كبيرة من الكبائر.

فتفاجأت أن بعض الناس طلب من زوجتي وبناتي تبديعي وهجري - والله المستعان - وذلك بسبب رفضي سلوك منهجهم.

فخرجن من بيتي - وأنا في ساعات العمل - دون إذني، لا بل ومن غير إخباري إلى أين سيذهبن وعند من سيلبثن وينمن، فبحثت عنهن طوال الليل حتى وجدتهن وأرجعتهن إلى بيتي.

وفي اليوم التالي، تصرفن التصرف نفسه، فبعد انتهائي من العمل، أمضيت ليلتي تلك في البحث عنهن حتى وجدتهن وأرجعتهن بيتي مرة أخرى، وبقين في البيت على مضض، حتى أن إحدى بناتي - للأسف - كتبت بياناً تبدي فيه عن أسفها وعدم رضاها عن موقفي منها.

ثم طلب مني أحد دعاة هذا المنهج الغريب وهذه الطريقة الدخيلة - والمحسوبة كذبا وزورا على المنهج السلفي - أن أجلس إليه لمناصحتي ومحاسبتي وتبيين الحق والمنهج الواضح لي - كما يطلقون هم أنفسهم عليه - إن كنت أريد بقاء زوجتي وبناتي في بيتي.

علما أن هذا الأخ في سن بناتي. والله المستعان.

وأنا حالياً أعيش في قلق دائم، قد تغيرت علي زوجتي، ومهدد أفقد بناتي، وقاطعتني ابنتي المتزوجة، حتى أنها وضعت طفلاً ورفضت أن أراه بحجة أنني مبتدع.

يا فضيلة الشيخ: ما نصيحتك لي ولزوجتي ولبناتي وللدعاة والإخوة الذين يسلكون هذا المنهج؟

وهل يجوز لهم ما يفعلونه مع زوجتي وبناتي؟

وهل حقاً هذا من منهج السلف؟

وهل يجوز تخبيب المرأة على زوجها، إذا لم يبدع أو يحذر من مشايخ بعينهم؟

وأكرر شيخنا المفضال أننا - والله المستعان - في الولايات المتحدة الأمريكية، في بلاد تحيط بنا الفتن، وأحوج ما نكون محتاجين إليه أن تكون أسرنا تحت أعيننا لا سيما البنات.

اللهم إني مظلوم فانتصر، ربِّ إنِي قد مَسَنِي الضُّرُّ في أهلي وأنت أرحم الراحمين، اللهم احفظ لي زوجتي وبناتي، اللهم ادفع عني كل من أراد تشتيت أسرتي، اللهم اكفينهم بما شئت، إنك يا ربنا على كل شيء قدير.

أخوكم في الله (فلان بن فلان) من الولايات المتحدة الأمريكية

انتهت رسالته مع تصرف يسير.

قلت: الله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل.

﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: ٤-٦]، هذا مصداق ما ذكرته في مقالات سابقة بأن هؤلاء أكثر نشاطهم في بلاد الغرب لعدم وجود العلماء وقلة طلب العلم، وكثرة الجهل، فينشطون بين الأمريكان والأوربيين.

لكن السؤال : ألا يخشى هؤلاء من إنتقام الله تعالى منهم؟!

ألا يخشى هؤلاء من دعوة مظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟!

هل هذه الأفعال تقربهم إلى الله تعالى؟!

ما لهم وللناس؟! لماذا لا يعتنون بخاصية أنفسهم، ويدعون الناس ويكفون شرهم عنهم؟!

ونصيحتي لهذا الرجل بالصبر على هذا البلاء، ويتوجه إلى الله تعالى بالدعاء ولا يستهن به، فأثره عظيم، وليبشر بالخير، والعاقبة للمتقين.

ولعل بعد نشر قصتك هذه تجعل كل من قرأها يدعو الله تعالى على هذه الفئة الغريبة، وأن يكفي المسلمين شرهم، ويدعو الله لك ولأمثالك من المظلومين أن يرفع عنكم البلاء ويجمع شملكم.

وبهذه المناسبة أذكر لك ولغيرك حديثاً فيه من الاستئناس ما فيه.

فقد روى الحاكم في «المستدرك» (٧٣٠٢): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَا إِلَيْهِ جَارَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِي يُؤْذِينِي. فَقَالَ: «أَخْرِجْ مَتَاعَكَ فَضَعْهُ عَلَى الطَّرِيقِ»، فَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي شَكَوْتُ جَارِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ أُخْرِجَ مَتَاعِي فَأَضَعَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ اللَّهُمَّ اخْزِهِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ فَوَاللَّهِ لَا أُؤْذِيكَ أَبَدًا. «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»، وَلَهُ شَاهِدٌ آخَرُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وسكت عنه الذهبي في التلخيص.

ذكر الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» برقم (٢٥٥٨)، وقال (صحيح لغيره): عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، قال: اطرح متاعك على طريق، فطرحه فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لقيت من الناس.

قال: وما لقيت منهم؟

قال: يلعنونني.

قال: قد لعنك الله قبل الناس.

فقال: إني لا أعود.

فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارفع متاعك فقد كفيت.

رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه، إلا أنه قال: ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق، فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني.

قال: فيدعو عليه، فجاء جاره فقال: رد متاعك فإني لا أوذيك أبداً.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المقالات