موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

رسالة لم يحملها البريد إلى فضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

19 محرم 1436 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذه رسالة كتبتها إلى فضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى أنشرها للفائدة:

من سالم بن سعد الطويل إلى فضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فلقد استمعت لمقطعٍ صوتي لفضيلتك تتعقب فيه على بعض كلامٍ لي مبتورٍ عما قبله وما بعده، فأذن لي يا فضيلة الشيخ أن أعلق على كلامك ولك مني الاحترام والتقدير، فمقامك مقام الأخ الكبير وإن شئت فقل مقامك مقام الوالد، فأرجو أن تقبل تعليقي بصدر رحب، وأشكرك على كل معروف قدمته للإسلام والمسلمين على وجه العموم ولطلبة العلم من أهل السنة على وجه الخصوص، وأشكرك على الوجه الأخص على ما وجدته منك من معروف، ولا أنسى ولن أنسى زياراتك المتكررة التي كنت قد تفضلت بها علينا في الكويت، واستفادتنا منك ومن توجيهاتك، كما لا أنسى ولن أنسى إن شاء الله تعالى اتصالك الكريم عبر الهاتف لما توفي والدي رحمه الله تعالى وتقديمك للتعزية، وما سمعته منك من الدعاء الطيب لوالدي رحمه الله تعالى، فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك وفي علمك وعملك وذريتك، وأحسن الله لك النية والذرية، ورزقك حسن الخاتمة، وأدخلك الجنة ووالديك وذريتك وأحبابك.

أولاً: فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى، أتمنى أن تطلب تسجيل كلامي لتسمعه كاملاً وتسمع سياقه ليكون جوابك أكثر سداداً ودقةً، فقد يظهر لك شيء لم يتضح لك فيما لو اقتصرت على سماع ما نُقل لك.

ثانياً: لم أكن أقصد نشر كلمتي تلك، بل كانت كلمة عابرة قلتها في مجلس صغير قلتها في أحد دروسي في سياق ذم التحزب والتعصب، ولم أكن أقرر مشروعية التحزب، ولا أبرر للأحزاب تحزبهم، وكان ذلك قبل أكثر من ست سنوات تقريباً، فأخذها شاب حدادي ويقال إنه من أصول رافضية يدعى (إبراهيم) وهو الذي بدع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ووصفه بالإرجاء بل وبالتجهم، ويقال إنه يكفره، وهو الذي رد على الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى، هذا الشاب كان موظفاً في جمعية إحياء التراث مع أنه يبدعهم، فهو معروف بالخيانة، وبغضه لأهل السنة معلوم ومشهور، ويتستر بالسنة والتمسك بها والتعصب لها، ويحتمل -والله أعلم- أنه غير متستر لكنه مفتون ومعتد بنفسه جداً، أسأل الله له الهداية.

يا شيخ عبيد هذا الشاب كبّر الموضوع وفخم الكلمة التي صدرت مني فاتصل عليك وسجل معك انتقادك للكلمة، واتصل أيضاً على الشيخ يحيى الحجوري وسأله عني وسجل له، والله أعلم ماذا فعل وماذا سيفعل، وهكذا أخذ يشهر بي زاعماً أنني أطعن بالصحابة، وبعد سنوات تجدد الخلاف بيني وبين بعض الإخوة في الكويت وهم محمد العنجري وأحمد السبيعي وفواز العوضي وزيد بن حليس وطارق بن حسين حول موضوع بشار الأسد، فقلت عنه كما يقول علماؤنا ومشايخنا إنه كافر لأنه نصيري بعثي باطني، واستدللت عليهم بقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى الذي كفر الخميني وحافظ الأسد لأنهما من الروافض الباطنية، وكفر صدام حسين لأنه بعثي، فكيف لا نكفر بشار الأسد أو نتوقف في تكفيره وهو قد اجتمعت فيه النصيرية الباطنية والبعثية الملحدة؟!

وذكرت لهم بعض العلماء الذين صرحوا بتكفيره، منهم الشيخ صالح اللحيدان والشيخ ربيع المدخلي والشيخ عبيد الجابري، فجددوا عداوتهم لي، وأعلنوا عليّ (الحرب) كما سماها أحدهم، هكذا قال: (الحرب)، ثم قال: والحرب لا بد لها من دماء وجراحات وأشلاء، وجددوا استخراج تلك الكلمة وزعموا زوراً بأنني أطعن بالصحابة رضي الله عنهم، وهؤلاء أمرهم عجيب مع بشار الأسد!، فتارة يقولون عنه : مسلم سني وقد شوهد في التلفاز يصلي العيد، وتارة يقولون : لا نعلم عنه، وتارة يقولون زوراً وبهتاناً : الشيخ صالح الفوزان لا يكفره، وتارة يقولون : لا نكفره ولا ننكر على من يكفره، وتارة يقولون : لا يجوز الخروج عليه، وتارة يقول بعضهم : يحق له أن يقتل المتظاهرين، وتارة يقولون : لا يجوز لأي سوري أن يدافع عن نفسه.

والخلاصة أن القوم لا يُعرف لهم قولٌ واضح متفق عليه بينهم، غير أنهم متفقون على عدم القول بأن بشار (كافر)، وبإمكانك يا شيخ عبيد أن تتأكد منهم بنفسك واحداً واحداً، ونقدي لهم حملهم على إعلان الحرب ضدي، والله المستعان.

أقول: والأعجب من هذا أنهم أحسنوا الظن في بشار النصيري البعثي ولم يحسنوا الظن في أخيهم سالم الطويل، فزعموا بأنني أطعن في الصحابة والعياذ بالله!

ثالثاً: فضيلة الشيخ عبيد، أقول لك بكل صراحة ووضوح : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما ضربت مثلاً بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

رابعاً: هل يَظن ظان بأن مسلماً سنياً يتقصد الطعن بالصحابة؟!

خامساً: ليس في كلامي تبرير للتحزب ولا دفاع عن الحزبيين لا من قريب ولا من بعيد، فضلاً عن أن أكون قد قصدت ذلك.

سادساً: كان كلامي في سياق التحذير من التحزب والتعصب، وأن المسلم لا يحسن الظن بنفسه ويبرئها من الحزبية والعصبية، فهذا أمر في نفوس الناس جميعاً بنسب متفاوتة، حتى الذين يحاربون التعصب والحزبية فيهم تعصب وحزبية، وغاية ما قلت إن (الحزبية) التي بمعنى العصبية موجودة في نفوس كل الناس (كالحسد) الذي قيل فيه (الحسد في كل جسد)، وقلت حتى الصحابة وقعوا في حزبيةٍ لما قالوا يا للمهاجرين ويا للأنصار، ولم أقصد لا من قريب ولا من بعيد أن أبرر للأحزاب حزبيتهم كما زعموا، وهذا ظاهر والحمد لله.

سابعاً: ذكرت مراراً أن الصحابة لما وقع منهم شيء من ذلك نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فانتهوا، ولم أقل إنهم استمروا متحزبين كما زعم من زعم ونسب لي من الكلام ما لم أقل، بل نسب لي خلاف ما قلت!!

ثامناً: بعد انتقاد بعض الإخوة لكلمتي وجدت أن هناك من سبقني إلى الاستدلال بحديث «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».

تاسعاً: نقلت كلام الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى وهذا نصه، قال: (والشباب المسلم محتاجون إلى رعاية، أنصحهم جميعاً بالابتعاد عن الحزبية، فإن الحزبية تعتبر جاهلية حديثة، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في «الصحيحين» من حديث جابر عندما تخاصم أنصاري ومهاجري فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة»، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي»، فالتعصب الحزبي يعتبر دسيسة ويغذى من قبل أعداء الإسلام، نحن مسلمون سمانا الله مسلمين، فرب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، ويقول: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فسبيل الله واحد، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدة).انتهى، من موقع الشيخ الرسمي تحت عنوان (مقابلة في شأن الجهاد الأفغاني).

عاشراً: نقلت كلام الشيخ العلامة عبد العزيز الراجحي وهو أصرح من الذي قبله، وهذا نصه، قال: (ولما حصل خلاف في بعض الغزوات، لما كسع رجلٌ من المهاجرين أو من الأنصار -مهاجرٌ أنصاريًّا، أو أنصاريٌّ مهاجريًّا- نادى الأنصاري: يا للأنصار، ونادى المهاجريُّ: يا للمهاجرين، فلما تنادوا فيما يفيد التفرقة، هذا قال: يا للمهاجرين، وهذا قال: يا للأنصار، غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها مُنْتِنَةٌ»، وهما اسمان إسلاميان؛ لأن فيه تحزباً، لما كان فيه تحزب، المهاجرون هذا اسم أيش؟ إسلامي، الذين هاجروا وهم المؤمنون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وتركوا أموالهم وديارهم، والأنصار الذين آووا المهاجرين، اسمان إسلاميان أليس كذلك؟ لكن لما كان فيه تحزب قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! دعوها فإنها منتنة» أي: لا تتحزبوا، اجتمعوا. لماذا هذا ينادي المهاجرين وهذا ينادي الأنصار؟ فيه تحزب وفيه تفرقة). انتهى، موقع الشيخ الرسمي (التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله).

حادي عشر: وفي محاضرة بعنوان «التعصب الذميم» لفضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ألقيت أيام أزمة الخليج عام 1411 هـ، حينما برزت الحزبية العمياء بشكل رهيب، قدمتْ هذه المحاضرة علاجاً لمن أراد الله به خيراً ممن أصيب بهذا الداء العضال، قال فيها: (وقال صلى الله عليه وسلم لما قال أحد المهاجرين: يا للمهاجرين، وقال أحد الأنصار: يا للأنصار، فقال عليه الصلاة والسلام: «أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة». لفظ الأنصار لفظ ممدوح ولفظ المهاجرين كذلك، وأثنى الله على المهاجرين والأنصار لجميل صنعهم، وكمال أفعالهم وقوة إيمانهم، ولكنها لما استغلت عصبية سَمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية، وقال إنها منتنة، فاللفظ الشريف النبيل إذا استُغِلَّ لغرض دنيء يكون ذماً لقائله، ويدخل هذا اللفظ الإسلامي في إطار آخر هو إطار الجاهلية «أدعوى الجاهلية»، ماذا قالوا: «يا للمهاجرين .. يا للأنصار»، ولكن ما هو الحافز؟ الدافع إليها التعصب والعنصرية، فالرسول صلى الله عليه وسلم سماها جاهلية ووصفها بأنها منتنة، ودعا إلى الأخوة والمحبة والألفة والتناصر على الحق)، انتهى من مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع المدخلي (422- 421 /1).

ثاني عشر: ثم وجدتُ كلاماً آخر للشيخ العلامة المحدث مقبل الوادعي رحمه الله تعالى هذا نصه: (وقال تعالى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53]، فمسألة الحزبية قد تحزبنّ نساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وانقسمن إلى حزبين فهجرهن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أجل ذلك شهرين). انتهى.

قلتُ: لعل الشيخ مقبل رحمه الله تعالى يشير إلى ما رواه البخاري رحمه الله في «صحيحه» برقم (2581)، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ، فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فضيلة الشيخ عبيد الجابري حفظك الله تعالى، هذا ما عندي حول الموضوع الذي انتقدتني عليه، وما زلت أقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما قلت هذه الكلمة، لا لأنها خطأ بذاتها ولكن حتى لا يستغلها بعض الناس، وإلى الآن وإلى هذه الساعة لم يظهر لي أن فيها طعناً بالصحابة رضي الله عنهم، وليس في كلامي دعوة للتحزب ولا إقرار للحزبية، والحمد لله على توفيقه وإحسانه، فما ذكرتُه موافق لكلام العلماء بل مطابق، وعلى فرض أن بين قولي وقولك منافاة، فنحن متفقون على أن الصحابة لم يكونوا متحزبين أو أحزاباً، وليس في كلامي حرف واحد يدل على وصفي للصحابة بالمتحزبين، فغاية ما قلت إنهم وقعوا في ذلك فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وانتهوا، كما وقع من بعض مسلمة الفتح في غزوة حنين حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنوَاطٍ»، والقصة مشهورة، وطلبهم هذا شرك، والشرك أشد وأغلظ وأكبر من الحزبية، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم استعظم طلبهم فقال: «اللَّهُ أَكْبَرُ!! إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]»، لكن الصحابة رضي الله عنهم لما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم انتهوا ولم يستمروا في طلبهم لذات أنواط، فليس في هذا حتماً طعن فيهم رضي الله عنهم.

والعجيب يا فضيلة الشيخ عبيد حفظك الله تعالى أنك ترد على كلام لم أقله وما تلفظت به في حياتي قط، فأنا لم أقل الصحابة كانوا أحزاباً، ولم أقل استمروا على التحزب، فلا أدري على ماذا بنيت ردك؟ فالسائل يقول لك بالحرف الواحد : (أحسن الله إليكم، ما قولكم في هذه العبارة: "التحزب موجود في نفوس الناس كلها حتى العصبية موجود حتى في الصحابة قالوا: يا للمهاجرين يا للأنصار، لكن هذه متفاوتة"؟) انتهى كلامي الذي نقلوه عني لفضيلتك، وليس فيه وصف الصحابة بأنهم أحزاب ولا أنهم استمروا في التحزب، ولا في كلامي دعوة إلى الحزبية، ولا تبرير للأحزاب البدعية! والأعجب من ذلك أن جوابك يا فضيلة الشيخ جاء مطابقاً لكلامي تماماً وكأني أنا الذي أتكلم، فقلتَ بالحرف الواحد: (الوجه الأول: أن الصحابة ليسوا أحزاباً، فليس المهاجرون حزباً، كما أنه ليس الأنصار حزباً آخر، رضي الله عن الجميع، فهم المهاجرون والأنصار، ولكن تحصل أحياناً وليس على الدوام بينهم أشياء فينتهون فورًا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يستمرون)، انتهى كلام فضيلتك.

قلت: سبحان الله! وهل في كلامي ما يخالف كلام فضيلتك؟!

تقول: إن الصحابة ليسوا أحزاباً، وأنا أقول كما تقول، ولم أقل أصلاً إنهم رضي الله عنهم كانوا أحزاباً.

وتقول: قد تحصل أحياناً بينهم أشياء وليس على الدوام.

وأنا قلت: أن العصبية في نفوسهم موجودة، فلو كانت معدومة فكيف إذاً (قد تحصل أحياناً أشياء بينهم) كما تفضلت؟!

وتقول: (فينتهون فوراً بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يستمرون). سبحان الله ! وأنا قلت ذلك، والله يا شيخ كان الأولى أن يسمى كلامك هذا (التأييد والموافقة لسالم الطويل) وليس (الرد والتعقيب) !!! فهذا عين كلامي سواء بسواء !!

وسأزيد هنا فائدة من الحديث نفسه، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» دلالة صريحة على أنهم وقعوا فيها، وإلا لماذا يقول لهم «دَعُوهَا»؟، وعلى كل حال الذي يظهر لي والذي أدين الله به أن هذه الكلمة التي صدرت مني ليس فيها طعن في الصحابة رضي الله عنهم، وكما هو معلوم ومقرر عند العلماء أن لازم القول ليس قولاً إلا إذا ذُكِر لقائله فالتزمه، فلو قال لي قائل: يلزم من قولك أنك تريد الطعن بالصحابة رضي الله عنهم، أو يلزم من قولك أن الصحابة كانوا أحزاباً، أو يلزم من قولك التبرير للأحزاب حزبيتهم، فإن قلت له: لا يلزم من قولي ما ذكرت ولا أردت هذا اللازم، فحينئذٍ لا تنسب لي تلك اللوازم بعد ما ذُكرت لي وأنكرتها.

ولقد سألت أكثر من شيخ من المشايخ الفضلاء فقال ليس في كلامك محظور، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ثالث عشر: فضيلة الشيخ عبيد حفظك الله تعالى، اعْلمْ أن كثيراً ممن يسألونك بعض الأسئلة والتي غالباً يصدرونها بقولهم: ما رأيك بمن يقول كذا وكذا، أقول: اعلمْ أنهم لا يريدون معرفة الحكم الشرعي وليسوا حريصين على ذلك، وإنما يريدون حكمك على القائل ليتم نشره تحت عنوان: الشيخ عبيد الجابري يقول كذا وكذا في فلان أو رد الشيخ عبيد الجابري على فلان، حتى لو لم تذكر اسم من رددت عليه، وكثيرٌ من الناس يأخذ كلام فضيلتك ليصفي به حساباته الشخصية مع من يخالفه، وهذا المسلك بحقك ليس بجيد، ويعز عليّ أن يستغلوك بذلك، فقدرك أرفع من أن يُفعَل بك ذلك، فلعلك يا فضيلة الشيخ تتنبه لهذا!

رابع عشر: لا يخفى على فضيلتك أن المسائل الاجتهادية لا ينبغي أن يضلل الناس فيها بعضهم بعضاً، لا سيما أن هناك بعض الصغار يُسيئون الظن، ويحمّلون الكلام ما لا يتحمل، فبناء على كلام فضيلتك أو غيرك تجده يعادي ويحارب ويشهر ويستبيح ما حرم الله تعالى من عرض المسلم، بل قد سُمِع لبعض السفهاء يقول الشيخ الفلاني (معصوم) في الجرح والتعديل، نعم نعم بهذا اللفظ يقول (معصوم) ولا يجرح إلا عن علم، ومن رد تجريحه فقد رد خبر الثقة، ومن رد خبر الثقة فقد قصد الطعن بالثقة، ومن طعن بالثقة فقد قصد الطعن بمنهج الثقة، ومنهج الثقة هو منهج أهل السنة، ومن طعن بمنهج أهل السنة فقد طعن بالإسلام، ومن طعن بالإسلام فقد طعن بالله ورسوله، ومن طعن بالله ورسوله فقد كفر، إذاً الخلاصة عندهم يجب قبول جرح فلان في كل من جرحه، وكأن جرحه ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.

فعند بعض الناس إما أن تقبل قول فلانٍ أو فابحث عن دين آخر، أو على الأقل قد خرجت عن منهج السلف فأنت - عندهم - ضال مضل!!

يا فضيلة الشيخ هذه حقيقة مؤلمة موجودة، ولا أعلم إن كنت تدري عنها أو لا ؟

خامس عشر: فضيلة الشيخ عبيد وفقك الله لكل خير، أريد أن أهمس في أذنك حقيقة أخرى ألا وهي: أن كثرة التجريح تضعف التجريح، وتسقط من قيمة تجريحه، ربما في السابق إذا جرح الشيخ عبيد الجابري شخصاً فإنه يطرحه أرضاً، أما اليوم فلكثرة من جرحتهم لم يعد لجرحك تأثير يذكر، ولقد لاحظت ذلك في جرحك للشيخ محمد الإمام لما قلت عنه إخواني ضال، فكان المتصل من ليبيا يلقنك فيقول: هو إخواني؟ فتجيبه بقولك: نعم إخواني، فيقول لك أذكر التاريخ يا شيخ، فتذكر له التاريخ!!

هذا الأسلوب ضايق كثيراً من أهل السنة، لا سيما مشايخ اليمن الذين يعيشون في فتنة عظيمة وأقل شئ كانوا ينتظرونه منك الدعاء لهم، أو السكوت عنهم على الأقل، فهم يعيشون حالاً عصيبة لا يعلمها إلا الله جل وعلا، فما علاقة الليبي بأهل اليمن؟ وما الفائدة المرجوة من نشره لكلامك في الشيخ محمد الإمام في هذه الفترة الحرجة؟

الموقف يحتاج إلى مراجعة مع النفس، وأنا أستحيي أن أقول لك هذا الكلام وفضيلتك أكبر مني بنحو 25 سنة، ولكن حملني على ذلك أن الأجل قد يكون قريباً، فالله الله يا شيخ عبيد أن تتجاوز هؤلاء الشباب الذين هم أشبه ما يكونون بقطاع الطريق لا همّ لهم إلا القيل والقال، والله نعرف أكثرهم ليسوا طلبة علم ولا أصحاب عبادة، فليلهم ونهارهم خلف الأجهزة الإكترونية ينالون من هذا ويسبون هذا ويبدعون ذاك ويحذرون من ذلك!!

سادس عشر: فضيلة الشيخ، كلامك الأخير في الأخ أحمد بازمول جاء متأخراً جداً، وما ذكرته فيه نعرفه منذ زمن فلم تأت بجديد، ولذا جاء أثره ضعيفاً جداً، والآن أريد أن أخبرك بالخبر الذي قد يخفى عليك ولا أدري والله كيف يخفى عليك، ألا وهو أن الذين يتظاهرون بحبك واحترامك ويستفتونك ويستفيدون من تزكيتك هم وأحمد بازمول في قالب واحد، ومن طينة واحدة لا يفارقونه ولا يفارقهم ولا يفترق عنهم ولا يفترقون عنه!! إذاً ما فائدة كلامك فيه؟، لما فضيلتك كفرت بشار الأسد خالفوك، ولم يقيموا لحكمك في بشار وزناً، ولما تكلمت بأحمد بازمول ما قبلوا منك وعملوا بقاعدة (لا يلزمي)، لكن إذا تكلمت بمن يشتهون الكلام فيه تجدهم يطيرون بكلامك في كل وادٍ وفي كل حدبٍ وصوبٍ! لا نراهم ينشرون عنك فوائد علمية كتفسير آية أو شرح حديث ونحو ذلك إلا قليلاً، لكن إذا كانت لك كلمة في فلان أو فلان تجدهم ينشرونها ويذيعونها!

ألم أقل لفضيلتك إن أكثرهم لا يستفتونك رغبة في العلم ولا ليتعلموا دينهم؟ تذكر فضيلة الشيخ الفارقَ بين قولك وقولهم في بشار، فأنت قلت بأن بشار كافر بن كافر وملعون بن ملعون وهو الكلب وابن الكلب!! بينما هم يخالفونك تماماً، فهل يا فضيلة الشيخ حفظك الله سألت نفسك لماذا يستفتونك؟ ولماذا يأخذون من كلامك ما يشتهون ويدعون ما لا يشتهون؟!

سابع عشر: أما وصفك لي يا فضيلة الشيخ بقولك (طرأ له ما يحرفه، ضال، ضايع، مسكين) فأقول: أسأل الله أن يهديني وينور بصيرتي، وإن كنتُ كما وصفتني فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنتُ لستُ كما وصفتني فأسأل الله أن يغفر لك.

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات