موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

وأيضاً رسالة لم يحملها البريد إلى الشيخ محمد بن هادي شفاه الله وعافاه

7 محرم 1436 |

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه رسالة أوجهها لكل من تصلح أن تتوجه له على وجه العموم وللشيخ محمد بن هادي المدخلي المدني على وجه الخصوص.

يا شيخ محمد بن هادي هداك الله إلى صراطه المستقيم.

السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فلقد جاء عن الإمام مالك بن أنس المدني رحمه الله أنه قال: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروى عن مجاهد أيضاً مثله، وروى عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما من أحد من الناس إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وسلم).

وهذا أصل من أصول السنة، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الحجرات: ١]، فلا أحد فوق النقد ولا أحد يُسلَّم له بكل ما يقول ولا أحد يجب على العباد أن يتبعوه بكل ما يقول إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر وإن كان نظرياً مُسَلَّم به إلا أنه واقعياً غير منضبط عند كثيرٍ من الناس حتى عند من ينتسب إلى السنة ويتبنى السلفية منهجاً وعقيدةً وديناً.

يا شيخ محمد وفقك الله لقد آن الأوان أن أواجهك وأواجه كل من تعصب أو تحزب لك أو لغيرك بأنك لستَ فوق النقد، وليس كل من انتقدك أو رد عليك أو اختلف معك يخرج بذلك من السلفية، ولستَ رمزها الأكبر بحيث من لم ترض عنه أو من لم تزكه بالضرورة يخرج من السلفية، فالسلفية هي دين الله تبارك وتعالى لم يجعلها الله تعالى بيد أحد من الناس، ولن يخرج منها إلا بموجب شرعي، والحمد لله رب العالمين.

وللأسف الشديد لقد فضل كثير من الناس الصمت وعدم المواجهة طلباً للسلامة، وذلك لأن بعض الناس باسم (السلفية) أو باسم (السنة) يمارس الإرهاب والإرجاف على أصوله مع كل من لم يخضع له، نعم إنها الحقيقة، قد يفضل كثير من الناس عدم التصريح بها بسبب الإرهاب والإرجاف ويراها ويسمع بها ويعيشها من أحاط به أتباعك المتعصبون لك .

ولقد ذكر لي أحد الإخوة- ولا أريد أن أذكر اسمه حتى لا يتضرر وهو من الجزائر- أنه سأل أحد المشايخ لماذا: (تسكت وأنت ترى هؤلاء يسقطون أهل السنة واحداً تلو الآخر؟) فقال الشيخ: ( أنا كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه)!!! الله أكبر!! إلى هذا الحَدّ بلغ الإرهاب والإرجاف بمن يخالفكم؟!

والشواهد كثيرة لا سيما في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها، بل قد بلغ الأمر أن بعض المتعصبين لك يستعينون بالسلطات الكافرة ضد من يخالفهم في تبديع فلان، أو لماذا استقبل فلاناً، أو لماذا يصلي في المسجد الفلاني !! ومنهم من أضروه في أهله وأولاده، ولهذا شواهد وحوادث كثيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبعد هذه المقدمة أريد أن أقول لك ولأتباعك التالي:

أولاً: يا شيخ محمد غفر الله لك ولإخوانك وطلابك، كلام الله تعالى هو الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [فصلت: ٤٢]، كلام الله هو الذي ( أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ) [هود: ١]، كلام الله هو الذي (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [الإسراء: ٨٨]، كلام الله هو (لَا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة: ٢]، كلام الله هو الذي ليس فيه اختلاف لقوله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: ٨٢]، وحكم الله هو الذي لا تعقيب عليه (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد: ٤١]، وقال تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ❊ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) [الطارق: ١٣-١٤].

وأما كلامك وحكمك يا شيخ محمد فليس كذلك، فيعتريه ما يعتريه من النقص والخطأ والاختلاف والاختلال والزيادة والنقصان، فما بال المتعصبين لك لا يكادون يفرقون بين كلام الله جل وعلا وبين كلامك؟! ولا يكادون يفرقون بين حكم الله وحكمك؟!

لستُ مبالغاً كما قد تظن لا والذي نفسي بيده، فهم لا يقبلون أي نقد لكلامك وكأن من انتقدك قد انتقد كلام الله تعالى، أو عقب على حكمه، وهذا الأمر ليس بجديد على المسلمين، فما زال متعصبة المذاهب والمناهج والعقائد والأحزاب يردون نصوص القرآن والسنة ويقولون : (الإمام أو العالم أو الشيخ أو الزعيم أعلم بالكتاب والسنة)، لكن هذا غير معروف ولا معهود عند أهل السنة .

ثانياً : يا شيخ محمد أخبرني وأخبر أتباعك وأخبر الناس جميعاً:

هل حضرتك معصوم؟ هل يلزم كل من سمع كلامك وحججك أن يقتنع ويستجيب لك في كل ما تذهب إليه؟ هل حضرتك لا تخطئ أبداً في أحكامك على الناس جرحاً وتعديلاً؟ وما حكم من لم يسمع كلامك وحججك وبراهينك، أو سمعها ولم يقتنع بها؟

إن كان الجواب بـ(نعم) معصوم وكلامك ملزم، إذاً فما الفرق بين محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين محمد بن هادي المدخلي؟

وأما إن كان الجواب بـ(لا) فلماذا كل هذه الزوبعات والحروب والمعارك والسب والشتم لمن انتقدكم أو لم يوافقكم؟

ثالثاً: لقد تعجبت جداً كما تعجب غيري من ذلك الإسراف الذي لا يكاد يكون له حدٌّ في السب والشتم واللمز كقولهم: (كذاب، مفترٍ، صاحب هوى، ساقط، مدلس، مريض، عديم الحياء، ساقط، محتال، صغير، يقلب الحقائق، لا عدل عنده ولا إنصاف، جاهل، مجهول، نكرة، متناقض، قاتله الله، مميع، مخذل، كالسكران، سقط عرشه، انكسر قرنه، انتهى أمره) وغير ذلك من قاموس السب والشتم، كل هذا لأني أنتقدك أو رددت عليك، فقد قالوا فيَّ- كما يقال- (ما لم يقله مالكٌ في الخمر)!!

رابعاً: تأملت السياق الذي قال الله تعالى فيه (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ❊ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) [المطففين: ٤-٥]، فوجدت أن الله تعالى توعد الذين يطففون في بيع الشعير ونحوه بالصاع والصاعين، فقال: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ❊ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ❊ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) [المطففين: ١-٣]، فسبحان الله كيف بهؤلاء الذين يشتمون الناس بالليل والنهار لا يحسبون للوقوف بين يدي الله حساباً؟! (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ❊ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ❊ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [المطففين: ٤-٦].

خامساً: رحم الله العلامة المحدث الشيخ الألباني فلقد قضى عمراً طويلاً في الدعوة إلى التصفية والتربية، وفي آخر سني حياته قال: (لقد أمضينا في دعوتنا سنين ندعو إلى التصفية والتربية، تصفية الإسلام مما علق به مما ليس منه، وتربية الشباب المسلم على العمل بالإسلام، وقد حصل والحمد لله ما حصل من التصفية، لكن ما زال النقص كبيراً في التربية) أو كما قال رحمه الله تعالى، حقاً هذا ما لوحظ على كثيرٍ ممن ينتسب للدعوة السلفية، يسبون ويشتمون، وإذا ذُكِّروا بالله لا يذكرون، وإذا خُوِّفوا بالله لا يخافون، وقد جربتُهم كثيراً وعاملتهم بالحسنى، وبعضهم يشتم بأبشع الشتائم، فأقول في نفسي، لا أريد أن أجاريه وأتذكر قول الشاعر: إذا جاريتَ في خلقٍ دنيئاً • فأنت ومن تجاريه سواءُ

فأقول لعلي أدفع بالتي هي أحسن خير لي وله ولقوله تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) [فصلت: ٣٤]، فأقول له: (غفر الله لك ولوالديك، الله يسامحك، الله يهديك)، فيرجع ويسبني مرة أخرى أشد من الأولى!! فأقول له : (لا تسب، اتق الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق)، وإلا به يزداد سباً وشتماً واعتداءً !! فأقول له: (عيب، فأنا أكبر منك سناً)، فيرجع للسب مجدداً ويكرر ويتفنن بالسب والطعن، فأقول له: (سيقتص الله لي من حسناتك يوم القيامة، اتق الله) وإلا به يسب ويضاعف السب ضعفين!!

فأين تربيتك يا شيخ محمد لطلابك؟! ألا تعلم أن الأبناء والطلاب بتصرفاتهم يظهرون حقيقة تربية آبائهم ومشايخهم؟ فيا شيخ محمد ألا تخشى أن يفهم الناس بأنك أوصيتهم بذلك؟ فإن كنت لم توصهم بذلك فلماذا لا تنهاهم؟ لماذا لا توصيهم أن يتخلقوا بالأخلاق الحسنة الحميدة حتى لا يشوهوا صورة السلفية، وقد شوهوها، لماذا لا تعلن ذلك ليعلم كل الناس أنك غير راض بأساليبهم الغريبة؟ انههم عن تلك التصرفات الصبيانية حتى لا يشمت بنا المخالفون.

سادساً: يا شيخ محمد أتباعك لا يسمعون لك نقداً أو مناقشةً أو رداً عليك إلا وهرعوا إلى إظهار التزكيات من هنا وهناك، فيقولون زكاه فلان وفلان وقد أثنى عليه فلان!!

فهل تزكية العلماء لشخص (ما) صك لبراءته من الأخطاء، وعصمة له من الانتقاد؟! ما لكم كيف تحكمون؟! وكأنهم لا يفرقون بين تزكية النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي المبين وبين تزكية غيره!!

ثم أخبرني يا شيخ محمد كيف يتحمل ظهرك هذا الإطراء؟ وكيف لا ينكسر عنقك من هذا المديح؟

سابعاً: إن كثيراً من المتعصبين لك يحتج بالتزكيات، فإذا قيل لهم: (وأيضاً فلان الذي أسقطتموه - طبعاً سقط بنظركم- قد زكاه فلان وأثنى عليه فلان) قالوا: (نعم، ولكن قد تغير، أو الذي زكاه لا يعرف في الجرح والتعديل، أو فلان غير متخصص بالجرح والتعديل كالشيخ فلان، أو المُزكِي لا يعلم عن المُزكَّى ولا يعلم ماذا أحدث من بعده، أو لم يطلع على حقيقته)، وهذا الكلام لو سلمنا بصحته أو صحة بعضه، فلماذا لا يصلح الاستدلال بمثله في حق اتباعك؟ ننتظر الجواب منك وأظنه لن يصل أبداً!!

ثامناً: يا شيخ محمد بما أنك لست معصوماً فلماذا يدخل كل من نصحك أو خَطّأَك تحت دائرة الذم؟هب أنه اجتهد في نصيحته فأخطأ أليس له أجرٌ واحد وهو بنصحه مأجور مشكور؟

تاسعاً: بهذا الأسلوب الهجومي تحرم نفسك من النصيحة، ولقد وصف الله عباده المؤمنين الناجين من الخسر بقوله (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) [العصر: ٣].

عاشراً: هل لطالب العلم الصغير الحق في الاستدراك على من يفوقه علماً وسناً؟ مع العلم يا شيخ محمد أنا أكبر منك سناً أظن- إن لم أكن مخطئاً- بأربع سنوات!!

حادي عشر: لقد عاصرت المشايخ الأعلام والأئمة الكبار وجلست سنوات عند شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، فوالذي نفسي بيده ما سمعنا منهم قط شتموا أحداً أو قالوا فلان خبيث وفلان جاهل وفلان كذاب، بل ما عرفنا منهم وعنهم إلا عفة اللسان والنصح بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وقد ينتقدون القول دون القائل، وإذا اضطروا لذكر اسم القائل ذكروه بأرفع الألقاب وأحبها إليه فيقولون فضيلة الشيخ أو الأخ الدكتور أوالأخ المكرم وفقه الله، ونحو ذلك، وهذا الغالب حسب علمي، ومن لم يستوعب ما أقول فليرجع إلى فتاوى الشيخ العلامة الإمام عبد العزيز بن عبدالله بن باز ليتعلم منه الأدب والرحمة والرفق والعلم، رحمه الله تعالى وأعلى مقامه في عليين .

يا شيخ محمد حفظك الله تعالى لم أنته بعد فسأكتب رسالة ثالثة إن شاء الله تعالى لعل الله ينفعك وينفع طلابك بها.

أسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات