موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

تزكية العالم ﻻ تعطي العصمة للمُزَكَى

22 شعبان 1435 |

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلقد ابتلينا ببعض الناس قد افسدوا كثيراً وكثيراً جداً وفتحوا حرباً على دعاة التوحيد والسنة، فهم يحاربون كل طالب علم مجتهد في طلب العلم والدعوة إلى عز وجل سواء في بلدهم أو خارج بلدهم وكأنهم أوصياء على السلفية أو أنها بأيديهم يدخلون من شاؤوا ويخرجون من شاؤوا لاسيما إذا كان لا يعجبهم أو ليس على هواهم .

ومنهم من جنَّد بعض اتباعه للحرب- كما سماها- ضد كل من لم يأت على هواه- والعياذ بالله- بينما هو لا يحارب إلا متحصناً ببعض المشايخ أو من وراء جُدر، فلا يظهر ولا يصرح بنفسه بل يستغل غيره من الشباب كما يفعل ؤوس الأحزاب مع اتباعهم.

ولقد لقَّب نفسه أو لقبه اتباعه بـ (المربي الفاضل) ويظهر لكل من تتبع تربيته لشبابه أنه سيئ في تربيته إياهم، وللأسف الشديد يكثر فيهم الكذب والغيبة والنميمة والسَّب والشتم والتشهير وتتبع الزلات وتحميل الكلام ما لا يتحمل ويتعاونون على الإثم والعدوان.

أقول هذا الكلام متذكراً ومستحضراً أن الله تعالى يسألني يوم القيامة عن هذه الشهادة فو الذي لا إله إلا هو إني لستُ ظالماً لهم بل ما قلت إلا ما شاهدته وشاهده غيري ولعل هذه الفئة بحاجة ماسة إلى الموعظة والتخويف بالله تعالى والتذكير بالآخرة والذي يظهر لي أن عندهم قصوراً في هذا الجانب فقلما يتورع أحدهم عن الكذب والغيبة والنميمة حتى إذا ذكرته بالله لا يتذكر.

ولقد كان النبي ﷺ يتخول أصحابه بالموعظة فيعظهم كل اسبوع، وكان يذكرهم بتقوى الله في خطب الجمعة وهم الصحابة رضي الله عنهم على جلالة قدرهم ورفيع منزلتهم، لعلمه ﷺ مدى حاجتهم الى الوعظ والتذكير بالتقوى .

بينما هذه الفئة وللأسف الشديد إذا قيل لأحدهم اتق الله النميمة حرام ومن كبائر الذنوب وسبب من اسباب عذاب القبر، وتذكر له الأدلة من الكتاب والسنة ومع ذلك لا يكاد يتزحزح عن النميمة شعرة، ولو كررت عليه الأدلة مرة بعد مرة، فتجده يقول هذا كلام إنشائي لا فائدة منه!!

سبحان الله كيف لا فائدة من التذكير بتقوى الله والزجر عن النميمة ؟ كيف يجرؤ مسلم على هذا الكلام؟ والله لا أدري!

بل بعضهم يعصر الناس عصراً ليستخرج منهم الكلام استخراجاً ويُحمل الكلام ما لا يحتمل ليتمكن من تجميع كلمات من هنا وهناك ليمشي بها في النميمة !

ذكر بعض التربويين أن من أصول التربية أن لا ترهب الأم أولادها بوالدهم بصورة مستمرة، وذلك حتى لا تزرع الكراهية في قلوب الأولاد تجاه والدهم وحتى لا يكره الوالد أولاده فمن الخطأ أن تقول الأم بصورة مستمرة لأولادها سأخبر والدكم بما صنعتم، سيأتي والدكم ويضربكم، إذا وصل والدكم سيعاقبكم فتصوِّر الأب لأولادها كأنه جلاد أو سجان.

هذا إذا كان مجرد تهديد وتخويف ووعيد فكيف إذا اخبرت الوالد بذلك؟ وكيف إذا بالغت بالشكاية؟ وكيف إذا كذبت على أولادها ونسبت لهم افعالاً لم يفعلوها؟ ثم كيف إذا قام الأب بعقوبة الأولاد عقوبة قاسية ؟!

حتماً ستنشأ القطيعة بين الأب وأولاده وسيعقب ذلك تفكك وضعف وضياع، ومثل هذا ما يفعله بعض الناس بسبب جهلهم بأصول التربية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .

تجدهم يتوعدون الناس ببعض المشايخ فيجمعون كلام هذا واخطاء ذاك مع المبالغة والكذب وتحميل الكلام ما لا يحتمل ويمارسون النميمة القحة على أصولها حتى بلغوا النتائج الآتية :

أولاً: شوهوا صورة بعض المشايخ عند الناس فجعلوهم كأنهم أخصائيو جرح وتبديع حتى ظن من لا يعرف المشايخ أنهم لا يحسنون شيئاً من العلم سوى التبديع.

ثانياً: كرهوا الناس بالمشايخ حتى أصبح بعضهم لا يطاق ذكر اسمه.

ثالثاً: فرقوا بين المشايخ وحرشوا بينهم من بعد ما كانوا أخوة متحابين في الله عز وجل.

رابعاً: فرقوا بين المشايخ وطلابهم من بعد ما كانت علاقتهم كعلاقة الأب بأبنائه.

خامساً: اضعفوا الدعوة ضعفاً شديداً ظاهراً.

سادساً: مكنوا المخالفين من الشماتة بالسلفيين قال تعالى عن هارون عليه السلام وهو يخاطب أخاه موسى عليه السلام: ﴿ فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ﴾ [الأعراف: ١٥٠].

سابعا: اشغلوا أنفسهم واشغلوا من معهم عن طلب العلم النافع وعن العبادة وعن قراءة القرآن وحفظه والاستفادة من أوقاتهم وأعمارهم كما ذكر ذلك غير واحد ممن انجاه الله منهم.

ثامناً: اشغلوا غيرهم بالرد عليهم.

تاسعاً: فسدت أخلاقهم فكثر فيهم الكذب والغيبة والنميمة من أجل الانتصار لأنفسهم.

عاشراً: أصيبوا بداء العجب والغرور فهم السلفيون الخلص الأقحاح وكل من سواهم فليس بشيء.

حادي عشر: احتقارهم للآخرين وقد ترفعوا حتى على مشايخهم الذين درسوهم وعلموهم فنسوا فضلهم عليهم وجازوهم جزاء سنمار.

ثاني عشر : تعصبهم لآرائهم ومواقفهم بحجة عدم التذبذب والتلون.

ثالث عشر: وقعوا في حزبية مقيتة قبيحة فاقت وتجاوزت كثيراً من الحزبيات التي في الساحة.

مسألة مهمة:

استغل بعض الناس تزكية بعض العلماء له فاتخذ من تلك التزكية غطاءً يسرح ويمرح من تحته فيظلم عباد الله وينمم بينهم ويشوه سمعتهم ويهتك أستارهم.

وإذا انتقد على ذلك بادر بلسان حاله أو بلسان مقاله أو نطق من تحته من اتباعه فقالوا: فلان قد زكاه العالم الفلاني والعالم الفلاني !!

وكأنه يحمل ما يسمى بلغة اليوم (حصانة) تحميه من النقد والرد.

وفي الحقيقة أن هذا المسلك ليس بجيد بل باطل ولبيان ذلك اقول:

أولاً: العالم ليس بمعصوم فقد يحسن الظن بشخص ما فيزكيه ويكون المُزَكى ليس أهلاً للتزكية.

وقد تخفى على العالم أمور وجوانب في المُزكى لو علمها العالم ما زكاه.

وليس في كلامي هذا طعن في العالم ولكن النمامين يسارعون كعادتم بنقل مثل هذا الكلام إلى العالم كما فعلوا ذلك من قبل.

ويقولون لقد طعن فلان بتزكيتك لفلان أو يقولون هذا طعن مبطن بالعالم الفلاني أو فلان يشكك بتزكية العالم الفلاني وأنه يقول العالم الفلاني يتسرع أو لا يعرف يزكي، أو متساهل بالتزكية أو يزكي بلا بينة وغير ذلك من اساليبهم القائمة على النميمة القحة المحرمة شرعاً والقبيحة عرفاً.

ثانياً : في الحديث عن النبي المعصوم ﷺ أنه قال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلأيَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحُجَّتِه من بعضٍ، وأقضي له على نحوِ مما أسمع» [متفق عليه، من حديث أم سلمة]. فكيف بمن دونه؟ فقد يسمع العالم كلاماً يظنه حقاً وقد تخفى عليه حقائق ربما لو ظهرت له ما زكى ذاك الرجل.

ثالثاً : كثيرٌ ممن يتكلمون فيهم اليوم وتم جرحهم هم ممن سبق أن زكاهم العلماء بتزكيات مشهورة بل أن بعضهم قد زكاهم العلماء المعتبرون عند فئة الأقحاح أنفسهم والأمثلة كثيرة اشهر من أن تذكر.

رابعاً : تزكية العالم لا تعني اعطاء المُزَكى الرخصة في تجريح الناس والطعن بعقائدهم ومناهجهم، فقد يزكي العالم أحد طلبة العلم ليذهب ويدرس ويدعو إلى الله وليس ليذهب ويطعن بالناس وينمم بينهم وبين العلماء.

خامساً: هذه التزكية ليست تزكية نبوية من وحي رب السماء بحيث تعطى المُزكى أماناً فلن يتغير أبداً حتى يموت، فالإنسان معرض للفتنة في أي لحظة والعياذ بالله.

سادساً : غالباً الذين يعتمدون على التزكيات هم من المشكوك في أمرهم فيحتاجون ما يواري سوآتهم وإلا فالمسلم تزكيه اعماله.

سابعاً: بعض الناس يعتمد التزكية إذا كانت في حقه وفي حق من تحزب معهم فإذا صدرت في حق من اختلف معه قال هذه تزكية قديمة أو أنه قد اختلف أو تغير أو لم يعد كما كان أو من زكاه متساهل بالتزكية أو عندنا جرح مفصل وهو مقدم على التعديل المجمل ، وهذا الكلام حق لكن لماذا يطبق في الآخرين ولا يطبق عليهم؟ حقاً كما قيل "الهوى ما له دوا".

ثامناً : التزكية ليست محصورة على علماء ثلاثة أو أربعة دون سواهم فالحمد لله لأهل السنة علماء أكابر أجلاء غيرهم فلا يجوز نعتمد تزكية فلان دون فلان من غير سبب وجيه شرعي.

وفي ختام مقالي هذا سأذكر للذين يلقبون أنفسهم بالسلفيين الاقحاح رواية سمعتها بنفسي من أخي أبي محمد أحمد بن حسين السبيعي حفظه الله سمعتها بأذني من لسانه، ليس بيني وبينه واسطة، قال إنه ذهب ذات يوم إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى وطلب منه توصية ليقدمها للجامعة فلما علم الشيخ أنه من الكويت قال له:

(هات لي تزكية من الشيخ عبدالله بن خلف السبت) انتهت الرواية .

فيا أيها الملقبون أنفسكم بالأقحاح ماذا أنتم قائلون؟ لقد كسر الكبر ظهوركم وقتلكم العجب فبادروا بالتوبة النصوح قبل فوات الأوان .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وإنك أن تبيت نائماً وتصبح نادماً خير من أن تبيت قائماً وتُصبح معجبا ً، فإنَّ المُعجَب لا يصعد له عمل) [مدارج السالكين (١/١٧٧)].

اسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات