موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

دروشة السلفيين

11 رمضان 1433 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن السلفية هي دين الله تعالى الذي أرسل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم و سار عليه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، و من تبعهم عقيدة و منهجاً و عبادةً و سلوكاً و خُلقاً، يقال له «سلفي» بمعنى أنه متبع لسلف الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه و التابعون لهم بإحسان مضوا و مضى عصرهم، فهم لمن جاء بعدهم «سلف»، ومن جاء بعدهم «خلف» و من رضي بمنهجهم و عقيدتهم و سار على ذلك يقال عنه اصطلاحاً «سلفي» و إن كان هو في عصر متأخر، و من خالفهم و اتبع عقيدة و منهج غيرهم يقال له «خلفي» أو ينسب الى ما انتسب إليه.

فمن الناس من ينتسب إلى أشخاص كالجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان أو الأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري أو ينتسب إلى بدعة أو مقولة كالخوارج أو المرجئة أو ينتسب إلى بلدة أو مصرٍ ظهرت فيه بدعة معينة كالحرورية نسبة إلى بلد حاروراء، و أحياناً تكون النسبة إلى دعوة أو طريقة سمّاها مخترعها أو مؤسسها باسم معين كدعوة الإخوان المسلمين أو التبليغ فيقال: إخواني و تبليغي و غير ذلك.

أما السلفية فنسبة إلى سلف الأمة و هم النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، و من تبعهم من العصور الأولى الفاضلة.

و الجدير بالذكر أن السلفية لما كان لها هذا الشرف العظيم انتسب لها من ليس منها بل و شوَّه صورتها كالتكفيريين و الإرهابيين و السياسيين و غيرهم و كذلك المخالفون للسلفية بكل ما يملكون من قوة فكرية أو مادية أو معنوية للتشويش والتشويه للسلفية الحقة.

و هذا الأمر ليس بالغريب و لا الجديد فمنذ أن خلق الله الجن و الإنس و الصراع مستمر بين أهل الحق والباطل. و ليس من الصعوبة بمكان أن يفرق عامة الناس بين السلفي السني و بين المبتدع الضال المخالف لأصول الاسلام. لكن الأمر الذي يخفى عادة على المثقفين من الناس فضلاً عن عامتهم هو خلط الأوراق بين السلفيين أتباع النبي صلى الله عليه و سلم و بين من تسمّى بالسلفية و هو بعيد عنها.

و يشتد الأمر صعوبة إذا كان ذلك المخالف للسلفية يوافق السلفية من جانب بل و ربما جوانب و يخالفها من جوانب أخرى فحينئذ يصعب تمييزه و الحكم عليه و الحذر منه. فهو ليس من عبّاد القبور و الأولياء ولا يحب الصفويين بل و يهاجمهم و ربما يكفِّرهم و لا يحرِّف صفات الله عز و جل، و لا ينكر الشفاعة و لا الصراط و لا يقول بعدم حجية الحديث الآحاد لكنه مع ذلك ليس سلفياً و لا يقبلها من جوانب أخرى حتى لو ظهر له الدليل يخالف ما هو عليه. و أخطر من هذا و ذاك من تجده قد تخرّج على أيدي بعض العلماء المشهورين و تتلمذ على أيديهم و يستشهد بأقوالهم و يذكر فتاواهم لكنه يخالفهم كثيراً في مسائل في المنهج كبيرة بل و في العقيدة!!

لذا نحن بحق نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه، و أن يرينا الباطل باطلاً و يرزقنا اجتنابه، لأن كثيراً ما يلتبس الحق بالباطل، لا في حقيقة الأمر و إنما بفعل فاعل، كما قال تعالى لبني اسرائيل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].

و لما كانت هذه الأمة ستتبع اليهود و النصارى كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم، فعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً بشبر، و ذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود و النصارى؟ قال: «فمن» [صحيح البخاري- (7320)‏، وصحيح مسلم (2669)]، ظهر في الأمة و من بينهم من يُلْبس الحق بالباطل و يكتم الحق و للأسف الشديد. ففينا و من بيننا (أحبار و رهبان) يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله. فينا من يسلك طريق التدين و التنسك و الاستقامة و قصده الأموال و الشهرة و المناصب باسم الدين.

و ظهر من بيننا و فينا من يتلوَّن كل يوم بلونٍ، و يتسمَّى كل يوم باسم، فإذا انكشف و عرف الناس انحرافاته و ضلالاته و مواقفه المخزية سارع و غيّر اسمه و اسم حزبه الجديد، و أعلن أنه لا علاقة له بالحزب السابق أو انفصل عنهم، سبحان الله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ الَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة].

لكن الله تعالى ناصرٌ دينه و رافعٌ أولياءه، فأحذر نفسي أولاً و أحذر كل مسلم من هذا التعامل السيئ مع الله تعالى، و مع عباده، و لنكن مع الصادقين كما أمرنا الله تعالى بذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة].

أما «دروشة السلفيين» فهذا اللقب الذي يطلقه بعض الناس على السلفيين ولم يرد به الإساءة و إنما أراد به الوصف الحقيقي بغض النظر عن موافقته عليه من عدم الموافقة. لكن من أطلق لقب «الدروشة» على السلفيين أراد بذلك بأنهم ليسوا طلاب دنيا و لا يسعون لجمع الأموال، و ليس لهم طمع بالمناصب و إنما همهم الأكبر إصلاح عقائد الناس و الحرص على استقامتهم و تصفية الدين مما علق به و دخل عليه و تربية الناس عليه و الحث على التمسك به، و في الحقيقة أن هذه التي لقبوها بـ«الدروشة» هي حقيقة دعوة الرسل كما قال تعالى عن أكثر من رسول أنه قال لقومه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 57]، فالرسل لم يرسلهم الله تعالى للتسلط على رقاب الناس ولا للاستيلاء على أموالهم و إنما أرسلهم ليحققوا للناس سعادة الدنيا والآخرة.

فلا يعيب على السلفيين كونهم ليس لهم مشروع حكم أو منافسة على كراسٍ أو مقاعد، بل هم (أعني السلفيين) يهمهم أن يصلح الله الحاكم و الوزير و التاجر و الكبير و الصغير لأنفسهم و لصالحهم لينالوا رضا الله تعالى ويتجنبوا سخطه. و هذا حال علماء السلف قديماً و حال اتباعهم إلى يومنا هذا لذا تجدهم ناصحين للولاة و غيرهم، رحيمين بالناس لا يثيرون الفتن، بل يسدون أبوابها بخلاف غيرهم الذين لا يرتاح لهم بال ولا يقرُّ لهم قرار إلا بإثارة الفتن و النقد المستمر و طلب التبديل و المشاركة و المنافسة باسم الاصلاح و التنمية و الجهاد و غير ذلك مما أصبح ظاهراً لكل عاقل بأنها مساعٍ دنيوية لا علاقة لها بالدين و لا التدين.

أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

المقالات