موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

التعقيب على داعية الإخوان الدكتور طارق السويدان

10 جمادى الأولى 1433 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلقد أرسل لي الأخ الكاتب أحمد محمد الفهد رسالة هذا نصها: يقول:

«الدكتور طارق السويدان: حكم الردة لمن بدل دينه أول انتشار الاسلام أما الآن فلا اكراه في الدين» انتهى كلامه (قناة اليوم).

فأقول و بالله أستعين وعليه أتوكل و إليه أنيب:

الدكتور طارق السويدان ليس من أهل العلم و لا يصدق عليه كونه طالب علم و لا يعرف له ولا عنه أنه طلب العلم، ولا يخفى عليك «أن العلم بالتعلم» لذا لا تستغرب كثرة أخطائه و انحرافاته و شذوذه الفكري اذا تكلم في المسائل العلمية فهو رجل درس دراسة مادية و تربى في الغرب و قد يجيد الأعمال الإدارية و التجارية و الإعلامية، بالاضافة الى قدرته على الكلام ومواجهة الجمهور مع دعم حزب الاخوان المسلمين له لذا برز واشتهر وشق طريقه في الفضائيات والمؤتمرات.

أما ما يتناوله من المسائل العلمية الشرعية فتجده ضعيفاً جداً و يخبط كثيراً وذلك لأن بضاعته في العلم الشرعي «مزجاة» بل تكاد تكون علميته معدومة. وقديماً قيل «يفسد الدين نصف فقيه ويفسد البدن نصف طبيب ويفسد اللسان نصف نحوي» ولذا يجب علينا أن نفرق بين «العالم» و«المثقف» فليس كل من كان عنده ثقافة وقدرة على ترتيب الكلام وتصفيفه يعتمد كلامه وتعتمد أحكامه.

وبعد هذه المقدمة أقول: أحكام الردة وحكم المرتد وقتل المرتدين بحوث كثيرة لها أدلتها ولا يخلو كتاب فقه من ذكرها لكن لجهل الدكتور السويدان أو لهوى في النفس أو تربيته في أحضان الغرب أو الافتتان بهم أو لكل هذه الأسباب أو لبعضها أو لغيرها نجده يقول «لكل انسان حرية الاعتقاد يعتقد ما شاء هو حر» وهذا كلام ساقط ولولا خشية اغترار الناس بكلامه ما كلفت نفسي بالرد عليه.

أقول:

  • أولاً: كلام الدكتور معناه ان حكم المرتد «منسوخ» والمنسوخ الحكم الذي أنزله الله تعالى لعباده وشرعه لهم ثم رفعه بحكم آخر ناسخاً للحكم الأول، ولا يجوز ان نقول عن حكم شرعي بأنه منسوخ إلا بدليل شرعي لأن في ذلك إبطالاً لحكم أنزله الله تعالى لعباده وهذا من أكبر الكبائر لأنه تقوّل على الله بغير علم والله تعالى يقول: {قُلْ انَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْاثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف]، ويقول: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ان السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا (36)} [الاسراء]. فكان الواجب على الدكتور السويدان ان يتقي الله عز وجل فلا يحكم على حكم من أحكام الله بالنسخ الا بدليل شرعي من الكتاب والسنة.

  • ثانياً: ذكر الدكتور السويدان قوله تعالى { لَا اكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة- 256]، وظن ان هذه الآية ناسخة لأدلة قتل المرتد. وليس الأمر كذلك على ما سأبينه ان شاء الله تعالى: ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أنه: «متى ما أمكن الجمع بين نصين ظاهرهما التعارض كان ذلك أولى بالقول بالنسخ» لأن الأخذ بالنصين والعمل بهما هو أولى من القول بالنسخ الذي مقتضاه الغاء أحد النصين.

  • ثالثاً: لم يرد نص من الكتاب والسنة صحيح وصريح يدل على نسخ أدلة قتل المرتد منذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه وانقطع الوحي بعد ان أنزل الله تعالى قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة- 3]، لذا الصحابة رضي الله عنهم أقاموا حد الردة على من ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدري كيف خفي على الدكتور السويدان حروب الردة التي قادها أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما؟! واستدل أهل العلم بقوله تعالى: {فَانْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة- 5]، أي لا تقاتلوهم والمفهوم من الآية أي فان لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فاقتلوهم. و روى البخاري في صحيحه رقم (6922): أتى علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». و روى البخاري أيضاً حديث (6923) ومسلم (4351) في صحيحيهما عن أبي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب الى اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال: انزل واذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله»، فماذا سيقول الدكتور السويدان في هذه الأحاديث؟ هل هي أحاديث منسوخة؟ فان كانت منسوخة فهل يعقل أنها منسوخة والصحابة رضي الله عنهم عملوا بها حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟! أو ان الدكتور السويدان أعلم بالنسخ من الصحابة رضي الله عنهم؟ أو أنه كعادته يقدم عقله على نصوص الشرع؟ فان كان كذلك فهذا شيء آخر و إنا لله و إنا اليه راجعون.

واعلم أخي القارئ الكريم ان الدكتور السويدان ومن على فكره ممن ينتسبون الى مدرسة تقديم العقل ولو على النقل ظنوا بجهلهم ان الأحاديث الثابتة في حكم قتل المرتد معارضة لمثل قوله تعالى: {لَا اكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة- 256]، ولقوله: { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)} [يونس]، وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف- 29]، ولا جرم أنهم ما فهموا هذه النصوص بل ولا كلفوا أنفسهم ان يقفوا على تفسيرها ولو فعلوا ذلك لما قالوا على الله بغير علم. نسأل الله السلامة.

الجواب على ما ظنه الدكتور السويدان أنه يخالف حكم قتل المرتد أقول: الأصل ان نصوص الكتاب والسنة لا اختلاف فيها ولا تناقض ولا اشكال فإن بدا لنا شيء من ذلك فسببه نقص في الفهم أو قصور في التدبر أو سوء إرادة تحمل الانسان على القول بأن نصوص الكتاب والسنة بينها أو فيها تعارض أو اشكال.

أما الجواب على ما ظنه صالحاً للاستدلال. فأقول: هناك فرق بين الكافر الأصلي والكافر المرتد فالكافر الأصلي هو الذي لم يدخل في الاسلام فهذا يدعى الى الاسلام بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة ويرغب في الاسلام دون إكراهه بل ولا داعي لاكراهه { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [البقرة- 256]، وله ان يبقى على دينه ويعطي الجزية عن يدٍ وهو صاغر مقابل ان يبقى تحت حماية المسلمين يجاهدون ولا يجاهد معهم، ويشرع جهاده اذا رفض الاسلام ورفض دفع الجزية وقاتل المسلمين وصار عثرة في وجوههم حتى لا ينشروا الاسلام لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة- 36]، أما الكافر المرتد فهو ذلك الرجل الذي دخل الاسلام وعرف فضله ثم ارتد عن دينه وترك جماعة المسلمين فهذا يقتل كما دلت النصوص الصحيحة الصريحة التي تقدم ذكرها ومنها أيضاً حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأني رسول الله الا باحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» [رواه البخاري (6878) ومسلم (1676)]، فأنت تلاحظ أخي القارئ ان هذا الحكم المذكور في الحديث انما هو في حق المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم» بينما الآية { لَا اكْرَاهَ فِي الدِّينِ } فهي في حق الكافر الذي لم يدخل في الاسلام فالجهة منفكة فلا يجوز ان نرد أحاديث قتل المرتد الثابتة في الصحيحين وغيرهما بحجة ان الآيات تعارض الأحاديث والحكم أصلا مختلف، وسأضرب لك مثلاً قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ان كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأني رسول الله الا باحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» [تقدم تخريجه]، فلا يقال الحديث يخالف الآية، لأن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}، هذا في حق الزاني غير المحصن - أي الذي لم يسبق له الزواج - أما القتل رجماً فهذا في حق الزاني الثيب أي المتزوج والأمر ظاهر و الحمد لله.

وأما قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فليس في الآية دعوة الى حرية الاعتقاد كما زعم ذلك الدكتور السويدان بل هذا أسلوب تهديد و وعيد لذا نجد تمام الآية قوله تعالى: {انَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَانْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف]، فأين وجه الدلالة على حرية الاعتقاد؟ وما علاقة الآية بقتل المرتد من عدمه؟ وأما قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)} [يونس]، فقد قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسيره:

«يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} بأن يلهمهم الايمان، ويوزع قلوبهم للتقوى، فقدرته صالحة لذلك، ولكنه اقتضت حكمته ان كان بعضهم مؤمنين، وبعضهم كافرين. {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي: لا تقدر على ذلك، وليس في امكانك، ولا قدرة لغير الله [على] شيء من ذلك» انتهى.

أقول: فالآية لا تعارض حكم قتل المرتد ولا علاقة لها بذلك ولن تجد عالماً أو مفسراً أو فقيهاً عبر قرون الاسلام استدل بالآية على ابطال حكم قتل المرتد فمن أين جاء الدكتور السويدان بهذا الفهم الغريب؟! ثم زعم الدكتور السويدان بأن حكم قتل المرتد كان في بداية الاسلام لما كان ضعيفاً!! سبحانك هذا بهتان عظيم!! فهل يعني ذلك كان في بداية الاسلام يجوز إكراه الناس على الدين لما كان الاسلام في بدايته؟! نسأل الله السلامة.

ثم أقول للدكتور أيضاً الاسلام الآن أضعف منه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، بل في صدر الاسلام دخل الناس فيه أفواجاً و دانت لهم العرب و العجم وكانت الفتوحات والانتصارات لصالح المؤمنين، أما اليوم فالاسلام في نزول وضعف وقد تقطع المسلمون ارباً ارباً و سلبت أراضيهم وخيراتهم فكيف يدعي الدكتور السويدان بأن قتل المرتد كان في بداية دولة الاسلام أما اليوم فالاسلام قوي لا يحتاج الى قتل المرتد؟!

وأخيراً أقول: ماذا سيقول الدكتور طارق السويدان في حق الزنديق الذي سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم الكرام؟ هل يقتل أم هذه حرية شخصية له ان يرتد متى شاء وكيف شاء؟

أسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمورنا الى إقامة حدود الله تعالى لاسيما في المرتدين الزنادقة المنافقين فو الله الذي لا إله الا هو لا تطيب نفوس المسلمين و لا يذهب غيظ قلوبهم إلا بقتل كل زنديق مرتد اعتدى على الله ورسوله وأم المؤمنين وصحابة رسول رب العالمين، اللهم عليك بالزنادقة أعدائك أعداء الدين وأعداء المسلمين فانهم لا يعجزونك وأنت رب العالمين. والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات