موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل (١)

23 محرم 1433 |

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي ليلة السبت 15 محرم 1433هـ الموافق 9/ 12/ 2011م ظهر الدكتور نبيل العوضي غفر الله له ولوالديه، على قناة الرسالة وقناة الخليجية في لقاء خاص على برنامج «لقاء الجمعة» وقد غلط كثيراً في مسائل عدة، فلم يكن موفّقاً في أكثر ما طرحه حول ما يسمى بـ «الثورات العربية» التي تشهدها بعض الدول العربية اليوم. وفي هذه السلسلة من المقالات سأعقِّب على ما طرحه الدكتور نبيل بما يوفقني فيه ربي مستمداً منه تعالى السداد والصواب مستعيذا بالله جل وعلا من كل جهل أو هوى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

التعقيب الأول

قال الدكتور نبيل: (من كان يتصور يا شيخ اللي كانوا في السجون واللي كانوا يطاردون اللي كان يُعتقلون، ويُضربون ويُهانون، الآن هم يحكمون بين عشية وضحاها، ليس جهد بشر هذا يا شيخ ولا حتى هذه الجماعات مع أنها بذلت وسوت جماعات دعوية من ستين سبعين سنة في مصر وغيرها من الدول العربية. صح اجتهدت لكن هذا ما هو تقدير بشري، أنا أظن هذا تقدير رباني، الله عز وجل أراد خيراً لهذه الأمة).

أقول: يا دكتور نبيل لا تظن بل اجزم واعتقد بأن ما من شيء إلا وهو بقدر الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾ [القمر]، والأًصل أننا نستدل على شرعيَّة الشيء من عدمه أو حسنه من قبحه بمقتضى الأدلة الشرعية، فليس على كل حال من خرج من السجن إلى الحكم بقدر الله الكوني يكون مصيباً ومرضياً عند الله عز وجل، فالكفار ما زالوا يتقدمون وينتصرون ويظفرون ويحكمون ويتحكمون وهم عند الله عز وجل شرار الخلق، ولا يخفى على من له أدنى بصر وبصيرة أن حكام العراق اليوم كانوا في عهد صدام حسين مضطهدين بين سجين ومطارد ومبعد، فهل مجرد وصولهم إلى سُدة الحكم يُحمدون على ذلك؟!

أقول: إنما يُحمد الإنسان على موافقته لأحكام الله تعالى الشرعية، فالواجب في الحكم على الناس ومدى نجاحهم من عدمه إنما يكون بمقدار امتثالهم لأمر الله ورسوله، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، ولم يقل أظفركم بالحكم.

ومن هنا تعرف يا دكتور نبيل و يا أخي القارئ الكريم أن الله تعالى إذا أراد بأمةٍ أو قوم أو جماعة خيراً وفقهم إلى طاعته وإلى الاستقامة على أمره، لا مجرد أن يوصلهم إلى سُدَّةِ الحكم.

وتدبر قول الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾ [النور]، فهؤلاء الذين يحمدون على تمكين الله تعالى لهم في الأرض آمنوا وعملوا الصالحات وأخذوا بالدين الذي أنزله الله من غير تبديل ولا تحريف وهو الإسلام الذي رضيه الله لنا ديناً، وعلى شرط أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً.

بينما إذا نظرنا إلى أحوال هؤلاء الذين فازوا بالانتخابات واقتربوا من الحكم من الإخوان المسلمين وغيرهم فليسوا كذلك، بل هم في بعدٍ كبيرٍ عن الحق، وهم كما قال فيهم الشيخ العلامة صالح اللحيدان - حفظه الله - قبل أيام:

(بالنسبة للإخوان المسلمين ارجو أن لا يتولوا سلطة في أي بلاد إسلامية، وأن لا تكون السلطة لهم، هم ليسوا في عملهم ساعين لنصرة العقيدة وإعلاء شأنها، هم في عمل في الغالب أنهم طلاب حكم، هم في ذلك يرون قول المرشد كأنه تشريع من السماء، المرشد العام عندهم، ولا يجيزون لأحد أن يخرج عنه، إلى غير ذلك أشياء كثيرة. من الأشياء التي يرون أن المسيرة ينبغي أن تكون إسلامية ولو كان هذا رافضياً عن اليمين، والثاني اشتراكي عن اليسار، والآخر هكذا، والآخر هكذا. عمل الإخوان المسلمين أيضاً في التصوف، الصوفية المغرقة لا يستنكرونها، وهي تصل إلى وحدة الوجود، ومن أقطابهم أو رؤسائهم من كان يذهب في أيام المناسبات، يذهب شيخ المشايخ في مصر، وفي مصر مشيخة، في مشيخة الأزهر ومشيخة التصوف، كأنهما سواء، فالتصوف إذا وصل أيضاً إلى وحدة الوجود صار شناعةً كتصوف ابن عربي المعروف ومن سلك مسلكه أو سبقه إلى ذلك. فالإخوان المسلمين نرجو الله جل وعلا أن لا يحكموا مصر، وأن لا يكون لهم شأن الحكم في مصر، ولا في غيرها من بلاد المسلمين) انتهى كلامه بحروفه. [المصدر]

تنبيه للدكتور نبيل ولغيره: هذا كلام الشيخ العلامة صالح اللحيدان حفظه الله تعالى بالحرف الواحد وليس كلامي!

وأقول للدكتور نبيل غفر الله له: إن الله تعالى إذا رضي عن قوم ومكنهم في الأرض فمن تمام نعمته عليهم أن يوفقهم للاستقامة على أمره لا مجرد أن يوصلهم إلى سُدَّةِ الحكم، واقرأ بتدبر قول الله تعالى عن موسى عليه السلام وقومه: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 5-6]، أي: يجعلهم أئمة يَقتدي بهم الناس في دينهم كما في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: 124].

التعقيب الثاني

قال الدكتور نبيل هداه الله للحق:

(أصلاً الديمقراطية ليست هي الإسلام)

ثم قال:

(فيها محاسن كثيرة، نعم)

ثم قال:

(وكل محاسن الديمقراطية الإسلام يقرها، لكن ليست الإسلام في النهاية، نكون صريحين) انتهى كلامه بحروفه.

وأقول: الله المستعان كلام الدكتور نبيل مضطرب جداً ولا يحتاج إلى كثير من العناء لاكتشاف اضطرابه!

فهو يقول:

(أصلاً الديمقراطية ليست هي الإسلام)

إذن ما هي؟ إن لم تكن هي الإسلام، حتماً فستكون الكفر أو الضلال لقوله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس: 32]، فالإسلام هو الحق فما بعده كالديمقراطية وغيرها ضلال، فكيف يصف الديمقراطية بعد ما قرر أنها ليست الإسلام بقوله (فيها محاسن كثيرة، نعم)؟! إن هذا لشيء عجاب، يا ليته سكت فسلمَ.

ثم يقول:

(وكل محاسن الديمقراطية الإسلام يقرها)

وأقول: ما هي المحاسن التي في الديمقراطية؟ هل هي محاسن ليست في الإسلام حتى يقرها الإسلام؟ حتماً لا، لأنها على حد قوله (أصلاً الديمقراطية ليست هي الإسلام).

وأقول: وهل يتصور مسلم عاقل أن في الديمقراطية محاسن لم يأت بها الإسلام حتى يقال إن محاسن الديمقراطية يقرها الإسلام؟!

ثم يا حضرة الدكتور نبيل إذا كانت الديمقراطية ليست الإسلام فلماذا المسلمون يقاتلون اليوم من أجلها ويموتون في سبيلها ويجاهدون في الحصول عليها؟ أليس الأولى والأوجب أن يقاتلوا من أجل الإسلام ويموتوا في سبيل الله ويجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا؟ نعم لماذا يتظاهرون هنا وهناك ويتعرضون للإبادة وهتك الأعراض والتشريد من أجل الديمقراطية وهي على حد تعبيرك (أصلا ليست الإسلام)؟ وهل الذين يقتلون في سبيل الديمقراطية (شهداء)؟ ألا يجب عليك على أقل التقدير أن تعيد النظر في كلامك؟ لتنظر هل الديمقراطية هي الإسلام فتستمر أو ليست الإسلام فتتوقف؟

سبحان الله يا دكتور نبيل أنت قلت: (نكون صريحين)!!

وأقول: أترك الحكم للقارئ ليقول بكل صراحة رأيه في كلام الدكتور نبيل وفقه الله لهداه.

التعقيب الثالث

قال الدكتور نبيل:

(لا تقول والله سوف يأتي الإسلام كما كان في عهد الخلفاء الراشدين، طبعا هذا مستحيل وليس بمنطق ولا واقع أصلا، ولن يستطيع عليه أحد اليوم لكن الحكم الذي الآن هل سيكون أقرب للإسلام مما سبق، هذا أهم شيء عندنا). انتهى كلامه بحروفه.

أقول: الواجب علينا شرعاً أن ندعو إلى الإسلام الكامل الذي أنزله الله تعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأكمله وأتم به النعمة ورضيه لنا ديناً والذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، كاملاً بعقائده ومنهجه وعباداته وآدابه وأخلاقه لا نفرط بشيء منه، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ثم كونه يأتي أو لا يأتي فهذا ليس لنا، ولن يسألنا الله تعالى عنه.

أما أن نجعل (أهم شيء عندنا) كما يقول الدكتور نبيل الحكم أقرب للإسلام مما سبق فليست هذه دعوة الكتاب والسُّنَّة في شيء، ومقصود الدكتور نبيل - حسب ما فهمت منه والله أعلم - أن يتولى الإخوان المسلمون أو غيرهم فيطبقوا الديمقراطية فهذا أفضل من الدكتاتورية السابقة وهو أهم شيء عنه!!

وفي هذا مفاسد كثيرة، منها:

  1. أن المسلمين سيركنون إلى الديمقراطية والتي ليست هي الإسلام كما يقول الدكتور نبيل، وينسون إسلامهم ودينهم.

  2. قد يتفوق في الانتخابات حزب دكتاتوري ويستأثر بكل شيء دون بقية الشعب وهذا وارد جداً حتى من حزب الإخوان المسلمين.

  3. أن يلتبس على المسلمين أمر دينهم فيعتقدون أن الديمقراطية ذات المحاسن الكثيرة كما يصفها الدكتور نبيل هي الإسلام، لذا تجد كثيراً من المسلمين اليوم يظنون أن لا فرق بين الشورى الشرعية والديمقراطية الغربية.

ثم اعلم أيها القارئ الكريم أن المسلمين لا يزالون مدركين وهم تحت الدكتاتورية أنهم محكومون بنظام غير الإسلام، بينما إذا حُكموا بالديمقراطية وكان المتفوقون فيها من الإخوان المسلمين فحينئذ لن يدركوا أنهم محكومون بغير الإسلام.

ملاحظة مهمة جداً

فيما أعلم أن كثيرا جداً من الدعاة الذين يخوضون الانتخابات اليوم ويعظمون الدساتير لا يوافقون الدكتور نبيل العوضي على أن الديمقراطية ليست الإسلام.

لكن لست أدري والله أي الفريقين أبعد عن الحق و أقرب إلى الهوى، الذين لا يدركون أن الديمقراطية الغربية ليست هي الإسلام، أو الذين يدركون أن الديمقراطية الغربية ليست هي الإسلام، لكن فيها محاسن كثيرة ويركضون وراءها؟! الله المستعان.

أخي القارئ الكريم تابعني في الأسابيع المقبلة إن شاء الله تعالى مع التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل أسأل الله تعالى أن ينفعني وينفعكم وينفع الدكتور نبيل غفر الله لي ولوالدي وله ولوالديه ولكم وللمسلمين. والله أسأل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المقالات