موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

كيف تكون مشهوراً ؟!

8 شوال 1427 |

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ولمن لآثاره اقتفى، أما بعد:

فإن الشهرة شهوة يسعى إليها كثير من الناس، لا سيما أصحاب النفوس الضعيفة، وأضعفهم نفوساً وأسوؤهم حالاً؛ الذي يبتغي الشهرة باسم الدين والتدين!!

أخي القارئ الكريم، تدبر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بيان مصير من يعمل العمل الصالح ولا قصد له إلا ليقال عنه كذا وكذا، فإن فيه لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. فقد روى مسلم في صحيحه [152] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فَأُتِي به فعرفه نِعَمَهُ فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فَأُتِي به فعرفه نِعَمَهُ فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فَأُتِي به فعرفه نِعَمَهُ فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار.)) وفي لفظ عند الترمذي [2382] قال أبو هريرة رضي الله عنه (ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة)، نسأل الله السلامة.

أخي القارئ وفقني الله وإياك إلى طاعته لماذا تسعر النارُ بهؤلاء قبل عباد الأوثان؟ الجواب: لأنهم تظاهروا بالأعمال الصالحة من الجهاد والعلم والكرم ولا قصد لهم سوى أن يقال عنهم ويمدحوا بالمجالس وينالوا الشهرة. فالأمر خطير والخطب جلل، قال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) [الإسراءـ 18] قال ابن كثيرـ رحمه الله (يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها يحصل له بل إنما يحصل لمن أراد الله وما يشاء وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات فإنه قال:( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ) أي: في الدار الآخرة، (يَصْلَاهَا) أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه، (مَذْمُومًا) أي: في حال كونه مذموما على سوء تصرفه إذ اختار الفاني على الباقي، (مَدْحُورًا) أي: مبعداً مقصياً حقيراً ذليلاً مهاناً)) أ هـ.

أخي القارئ العزيز إذا عرفت هذا فاعلم أن من الناس من اجتهد بذكر المسائل الشاذة والأقوال الغريبة والقصص والحوادث العجيبة لينال بها الشهرة وليكون حديث المجالس هنا وهناك، أما سمعتم ماذا قال فلان؟ وهو لا يهمه تكلم بحق أو بباطل، المهم أن يقول الناس عنه جريء أو عالم أو شجاع أو جواد أو.. أو..، وهؤلاء كثر لا كثرهم الله وأمثلتهم أكثر من أن تحصر. فمنهم من للشهرة يثير الباطل بين الحين والآخر فتارة يهون من شأن الطواف بالقبور وعبادة الأولياء من دون الله وتارة يمدح طاغوتا من طواغيت الأرض أعني ابن عربي الهالك وتارة يلغي أحكام الردة المعلومة من الدين بالضرورة وهكذا، لا حدَّ لشذوذه وآرائه السقيمة وكأنه يفرح أن الناس يردون عليه ويشتهر اسمه، وكلما خمدت فتنة من فتنه أشعل أخرى. ولكن الفرق بين هذا وبين أولئك الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنهم أرادوا الشهرة فاظهروا أعمالا صالحة من علم وقراءة للقرآن وجهاد وإنفاق للمال، وما أرادوا بذلك وجه الله تعالى، وإنما ليقال عنهم قارئ أو عالم أو شجاع أو كريم أو جواد، بينما هذا أمره أغرب وأعجب، فهو يظهر الباطل ويثير الفتن والمسائل الشاذة ليشتهر وتظهر صوره في الرد عليه وربما رد عليه علماء وطلبة علم، بل ويستنفر من حوله ومن له به صلة في عقيدته من الداخل والخارج للدفاع عنه وعن باطله. ولا أدري إلى متى يستمر هؤلاء بالاستجابة له، فطوامه لا تنتهي؟

أخي القارئ وفقني الله وإياك إلى الحق، لن يشتهر بعض الناس لو نشر الحق لكنهم أدركوا أن شهرتهم تكون بنشر الباطل ففعلوا ذلك !! فلو مدح أبا بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فلن يشتهر، ولو كتب في مآثر الشافعي أو أحمد بن حنبل رحمهما الله فلن يشتهر أيضا، لكن اختار «الطاغوت ابن عربي» ومدحه، من هنا استطاع أن يشغل الصحافة ويشغل الكتاب في الرد عليه لمدة ما لا يقل عن شهرين متتابعين، فالله المستعان ولعله لنقص في نفسه أراد أن يكمله بأي طريقة ولو بالباطل. ومنهم من يختار المواضيع الشاذة والألفاظ الدنيئة التي يستحيي منها العقلاء ليتكلم بها، شأنه شأن تجار المخدرات الذين لا يهمهم من أين كسبوا، لكن كم كسبوا، ولو هدموا البيوت وفرقوا الأسر وأزهقوا الأرواح، فهؤلاء يطلبون الشهرة ويفرحون بها ولا أدري أين هم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؟!

أخي القارئ الكريم، كم خطيب خطب في الناس في صلاة العيد وذكرهم بصيام ستة أيام من شوال؟ الجواب كثير جدا أليس كذلك؟ بل ربما كلهم في مشارق الأرض ومغاربها نصحوا الناس بهذه المناسبة، ولن يشتهر أحد منهم لأنه ذكّر الناس بصيام ستة أيام من شوال. بينما لما قام خطيب وقال للناس صيام ستة أيام من شوال بدعة، والحديث الوارد في صحيح مسلم ضعيف، تناقل الناس خبر ذلك الخطيب في زيارات العيد!! فإن كان الخطيب المشار إليه يريد وجه الله فلماذا لم يكتف بتذكير الناس بتقوى الله وصلة الأرحام وترك المنكرات و...إلخ ؟! وهل صيام ستة أيام من شوال منكر عظيم قد عم البلاد والعباد؟! أسأل الله الهداية. وآخر خرج على الناس فقال: صلاة التراويح بدعة، لأنه لو قال سنة، فكل الناس يقولون ذلك، فكيف سيشتهر من بينهم؟!

والخلاصة أن على كل مسلم أن يتقي الله ويتوب إليه وليسع إلى تحقيق الإخلاص فلا يبتغي بعمله الشهرة وثناء الناس ومدحهم وإلا ناله الوعيد المذكور في حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والله أسأل أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى، والحمد لله أولا وآخراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات