موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

و عليكم

9 ذو القعدة 1431 |


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فلقد شرّع الله تعالى لعباده المؤمنين تحية الاسلام وهي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وأمر الله عباده بافشاء السلام بينهم وأوجب ردّ السلام، وهذا معلوم ومشهور لا يخفى على مسلم، ولو كان عهده بالاسلام قريبا، بل ويعلم ذلك الكفار ﻻ سيما الذين يخالطون المسلمين، أو يجاورونهم. 
 ولهذه التحية معنى عظيم ﻻ يوجد في غيرها من التحيات، فالسلام اسم من أسماء الله الحسنى كما يدل على ذلك قوله تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) } [الحشر]، 
وثبت في صحيح مسلم (591) عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ثم قال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام». ومعنى السلام أي السالم من كل عيب ونقص وآفة، ومن معناه أيضا هو الذي يسلم غيره من الآفات والعيوب.

فهو جلّ وعلا السلام بذاته والسلام المسلم لغيره، 
وبهذا يتبين لنا ان المسلم اذا سلّم أو ردّ السلام على أخيه فانما يذكر الله باسمه السلام، ويتوسل اليه باسم من اسمائه الحسنى ويدعو لأخيه بالسلامة. 
 فاذا قلت لأخيك: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقد جمعت بين الذكر والتوسل والدعاء والنفع والاحسان لأخيك المسلم.
 والسلام من أعظم أسباب المحبة بين المسلمين تلك المحبة التي ﻻ يتم اﻻيمان اﻻ بها. والدليل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم (54) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ﻻ تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، وﻻ تؤمنوا حتى تحابوا، أوﻻ أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم». 
 ولقد أوجب الله تعالى على عباده رد السلام والدليل قوله تعالى { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) } [النساء]، 
بل القول بوجوب البداءة بالسلام قد أفتى به غير واحد من أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، وجعله من حق المسلم على أخيه المسلم، أما ردّ السلام فوجوبه موضع اتفاق بين أهل العلم. 
 ويحرم على المسلم ان يقاطع أخاه المسلم لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ﻻ يحل لرجل ان يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» [رواه البخاري (6077) ومسلم (2560)]. ومن المؤسف جدا ان من المسلمين من جعل هذه النصوص من الكتاب والسّنّة وراءه ظهريا ولم يجعل لها أي اعتبار! 
وتعظم البلية اذا تأولها بهواه أو زيّن له الشيطان عمله فجعل نفسه بمنأى عن حجية هذه النصوص وكأنه غير معني بها، أو ليس بمخالف لها! 
نعم ان من طبيعة البشر ان يختلفوا ويجري بينهم ما يجري من النزاع والمشاجرات لكن ﻻ يجوز شرعا ان يكون بين المسلمين قطيعة دائمة حتى الموت، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه (4915) وصححه الألباني من حديث أبي خراش السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه»، 
وهذا الحديث يدل على ان القطيعة الدائمة قد تبلغ 
مبلغ الكبائر، فلنتنبه لذلك. 
 أخي القارئ الكريم هل يجوز بعد معرفتك لهذه الأدلة ان تصرّ على عدم السلام على اخوانك؟ بل وتصرّ على عدم ردّ السلام عليهم؟ 
الى متى تدع الشيطان يعبث بك بتأويلاته الباطلة؟ 
أما ان الأوان ان ترجع الى رشدك؟ 
هل أعددت جوابا لربك اذا وقفت بين يديه يوم القيامة؟ 
يا مسلم يا عبدالله يا من رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا اقرأ هذا الحديث بتأن وتؤدة وتدبر ما فيه من الفوائد والأحكام
، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ان اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك.فقال: «وعليكم»، فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلا يا عائشة عليك بالرفق واياك والعنف أو الفحش» قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم يستجاب لي فيهم وﻻ يستجاب لهم فيّ» [رواه البخاري (6401) ومسلم (2165)]. 
 الله أكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على اليهود مع ان أحدهم يقول (السام عليك) أي الموت عليك، بينما من الناس من ﻻ يرد على أخيه المسلم الذي يقول له السلام عليك ورحمة الله وبركاته! 
سبحان الله لقد بلغ اﻻمر ببعض المحرومين أنه ﻻ ينزل أخاه وﻻ حتى منزلة اليهود؟! فهل هذا واثق من النجاة يوم القيامة؟


أخي القارئ العزيز اليك هذا الموقف الذي والله لن أنساه الى ان يشاء الله تعالى، 
في عام 1416هـ/ 1996م تقريبا كتب الدكتور الشيخ المحدّث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى كتابا سماه (جماعة واحدة ﻻ جماعات وصراط واحد ﻻ عشرات في الرد على عبدالرحمن عبد الخالق) ثم قام الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق بالرد على الشيخ ربيع برسالة صغيرة وشريط مسجل يحمل المادة نفسها تقريبا وأيضا كتب أحد طلاب الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق رسالة أخرى تهجم فيها على الشيخ ربيع هجوما شديدا عنيفا كما أخرج شريطا مسجلا أساء فيه الى الشيخ ربيع اساءة بليغة، 
ثمّ في العام نفسه تقريبا زار الشيخ ربيع الكويت وحاضر في مخيم ربيعي بعض المحاضرات، وانتقد في محاضرته ما عند الجماعات والجمعيات من أخطاء ومخالفات، 
وفي أثناء المحاضرة حضر بعض الشباب ووزعوا رسالة بعنوان «البديع في منهج الدكتور ربيع» تضمنت تلك الرسالة اساءات متعددة فيها قسوة شديدة في حق الشيخ ربيع حفظه الله تعالى 
وفي تلك الزيارة جاء بعض أفراد جمعية الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق ودعوا الشيخ ربيع للمناقشة والمناصحة فوافق الشيخ ربيع جزاه الله خيرا بكل ثبات وشجاعة للمواجهة وليقول ما عنده من الملاحظات. 
 وفعلا انطلق الشيخ ربيع وكان معه الشيخ فلاح بن اسماعيل مندكار حفظه الله تعالى وكنت بصحبتهما في سيارة الشيخ فلاح، وكان موعد اللقاء في الجمعية 
وكنت انتظر لحظة لقاء الشيخ ربيع الشيخ عبدالرحمن وأسأل نفسي: هل سيسلم الشيخ ربيع على الشيخ عبدالرحمن؟ أو سيعرض عنه بسبب الخلاف الشديد الذي نشب بينهما ﻻ سيما أن الخلاف في حرارته وقد بلغ ذروته؟! 
المفاجأة الكبرى أننا لما وصلنا ودخلنا الجمعية 
سلم الشيخ ربيع على جميع الاخوة ورحب بهم ورحبوا به، فلما رأى الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق سلم عليه بسلام شديد وترحيب أكيد وعانقه وأخذ يضرب بيده على ظهره، ويقول: زميلي زميلي وكأن ليس بينهما خلاف!! 
 سبحان الله لقد كان الشيخ ربيع كبيرا في عيني وأصبح بعد هذا الموقف عملاقا، 
ثم دخل الشيخ ربيع حفظه الله وأخذ جولة في الجمعية للاستطلاع ثم جلس معهم جلسة للمناصحة لمدة أربع ساعات، قال ما عنده عليهم من ملاحظات من غير مجاملة وﻻ تحفظ لكن لم يحضر الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق في تلك الجلسة ثم ودّعوا الشيخ ربيع بمثل الحفاوة التي استقبلوه بها. 
 أقول: فيا ليت بعض الاخوة يعتبرون من هذا الموقف ويقتدون بهذا العالم الجليل الذي ما منعه الخلاف الشديد من السلام عند اللقاء واﻻنصراف.


اسأل الله ان يطهر قلوبنا من كل غلّ وحقد وضغينة، 
والحمد لله أولا وآخراً وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

المقالات