موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)

8 صفر 1428 |

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


فإن الله تعالى لم يحرِّم على عباده الفرح إذا كان على أمر يستحق أن يفرح الإنسان من أجله، وإنَّ أولى ما يفرح به المسلم دينه الذي أكمله الله ورضيه له. قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)) [يونس:57-58]

قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسيره: (يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم موعظة من ربكم) أي زاجر عن الفواحش، (وشفاء لما في الصدور)أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، (وهدى ورحمة) أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به المصدقين الموقنين بما فيه؛ كقوله تعالى ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )، وقوله (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) الآية، وقوله تعال(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به، (هُوَ خَيْر مما يَجْمَعُونَ) أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة) ا.هــ



أخي القارئ الكريم، اعلم رحمني الله وإياك أن أولى ما يفرح به المسلم طاعة الله تعالى ورسوله، وتوفيقه وإحسانه، فكم من محروم من قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكم من ضال تائه عن عبادة ربه إلى عبادة مخلوق مثله، قد اتبع هواه، وأغواه شيطانه، وضل سواء السبيل، فإذا فضَّلك الله تعالى عليه، وهداك إلى صراطه المستقيم، واتباع رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ فاحمد الله تعالى واشكره وارجو الزيادة من فضله، قال تعالى (لئن شَكَرْتُمْ لأَزيدَنَّكُمْ) [إبراهيم-7]، وافرح بذلك فإنه فرح مشروع محمود، ولا تزد على ذلك حتى إذا جمعت من حطام الدنيا، فحطام الدنيا لا يستحق أن تفرح به إلا إذا كان في طاعة الله تعالى، أما إذا حملك على معصيته فعدمه خير من الظفر به، ومن فرح بالمعصية فقد وقع في المحظور، ذلك النوع من الفرح المذموم الذي لا يحبه الله تعالى، ولا يرضى عن صاحبه، بل هو سبب لسخط الله وعقابه، قال تعالى عن قارون (إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص-76]، والمراد الذين يحملهم فرحهم على الأشر والبطر، ولا يشكرون الله تعالى على ما أعطاهم.



أخي القارئ، وفقني الله وإياك إلى كل خير، إذا عرفت هذا فاعلم أن الله تعالى شرع لعباده عيدين اثنين في كل عام ليفرحوا بطاعة ربهم جل وعلا؛ عيد الأضحى وعيد الفطر، أما عيد الأضحى فهو في أعظم أيام الله تعالى، في العاشر من ذي الحجة تلك الأيام التي أقسم الله تعالى بها في قوله (وَالْفَجْر وَلَيَالي عَشْرٍ )[الفجر:1-2] التي الأعمال الصالحة فيها خير وأحب إلى الله تعالى فيما سواها، وفيها يوم عرفة خير يوم طلعت فيه الشمس، يقف فيه الحجاج، فلا يصح الحج إلا به، ويصومه استحباباً غير الحجاج، فيكفِّر الله به سنتين، وشرع الله فيه الأضحية بعد صلاة العيد، وحينها يفرح المسلمون بالعيد، لماذا؟ لتوفيق الله وإحسانه لما شرع لهم من الطاعات والقربات.

وكذا عيد الفطر يفرح به المسلمون؛ لأنه عقب شهر رمضان شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، يتعبد فيه المسلمون بعبادات جليلة عظيمة من صيام وقيام وتلاوة للقرآن وإفطار للصائمين وصلة للأرحام وصدقات وزكوات واعتكاف، ومنهم من يعتمر إلى بيت الله الحرام، وبعد توفيق الله لعباده شرع لهم عيد الفطر ليفرحوا بفضل الله وبرحمته.

وشرع الله تعالى لعباده المؤمنين يوم الجمعة، الذي له طابعه الخاص به، من صلاة الفجر التي هي أفضل من سائر صلوات الفجر فيما سواه من الأيام، وصلاة الجمعة، ويشرع لهم السعي إلى ذكر الله تعالى، وأكرم عباده بساعة يستجاب فيها الدعاء، لذا يفرح المسلمون بعيد الأسبوع- إن صح التعبير- ألا وهو يوم الجمعة.

أما ما سوى ذلك فهي أعياد ما أنزل الله بها من سلطان ولا يشرع فيها طاعة ولا صلاة مخصوصة ولا تزيد الإنسان إلا بعداً من الله تعالى وكسباً للسيئات، وجلها وأكثرها إما تقليد للكفار وإما جهل وإباحية للسفهاء والفساق والمسرفين على أنفسهم.



والأولى بكل مسلم بل الواجب علينا جميعا أن نعظم ما عظم الله ورسوله، ونعتز بإسلامنا وديننا، ونفرح بحدود الشرع، ولا نتجاوز ولا نسرف، وننصح ونذكِّر وننبه كلَّ غافل ساهٍ لاهٍ عن الفرح المشروع وكلَّ منغمس بالشهوات، فندعوهم إلى التوبة النصوح، ونأمرهم بشكر الله تعالى على نعمه، والإكثار من الاستغفار والتوبة، وأن نحذَر سخط الله تعالى وعقابه لا سيما وأن الفتن والحروب والأزمات قريبة منا ومحيطة بنا، فالمنطقة مشتعلة والفتن مستفحلة.



أسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولًا وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات