موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

ما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا

2 جمادى الأولى 1427 |

ذكرت لك عزيزي القارئ في المقال السابق وجوب الأخذ بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، و اعلم رحمني الله وإياك أن هذا يكفي العبد في طريقه إلى الله ليبلغ به رضاه ولا يحتاج إلى أن يزيد عليه شيئًا من هواه. قال ابن الماجشون: "سمعت مالكًا- يعني ابن أنس إمام أهل المدينة في عصره - يقول: من ابتدع في الإسلام بدعَة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه و سلم - خان الرسالة؛ لأن الله يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة-3] الآية. فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا" ا. هـ. من كتاب الاعتصام للشاطبي ص ١٨. فما أجمل هذا البيان من هذا الإمام الهمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى، فإن الله تعالى أنزل كتابًا مبينًا قال تعالى: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) } [الدخان]، وقال تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل-89]. و مع أن كتاب الله تعالى تبيان لكل شيء ومبين للحق؛ أمر الله تعالى أيضًا نبيه صلى الله عليه وسلم بالبيان بقوله: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل-44]، فزاد البيان بيانًا!!

فما بقي شيء يحتاجه المسلم في عقيدته أو منهجه أو عبادته أو آدابه أو أخلاقه إلا وهو في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم. وما قبض الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه و سلم إلا بعد ما أكمل به الدين وأتم عليه وعلينا النعمة، كما قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ } [المائدة-3]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره "هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره و لا نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ } [الأنعام-115]، أي صدقًا في الأخبار و عدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة ولهذا قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ } [المائدة-3]، أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام و أنزل به أشرف كتبه ا.هـ.

أيها القارئ الكريم فإن تعجب فعجب إدراك بعض اليهود عظم هذه الآية وجهل كثير من المسلمين فضلها و معناها، فقد أخرج الإمام أحمد من طريق طارق بن شهاب قال: "جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا!! قال: و أي آية؟ قال: قوله { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة-3]، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم والساعة التي نزلت بها على رسول الله صلى الله عليه عشية عرفة في يوم جمعة" رواه البخاري ومسلم. و أخرج ابن جرير بسنده عن عمار مولى بن هاشم أن ابن عباس قرأ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ } [المائدة-3]، فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدًا. فقال ابن عباس: نزلت في يوم عيدين اثنين؛ يوم عيد ويوم جمعة. وقال أبو ذر رضي الله عنه: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم" رواه ابن حبان في صحيحه. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدًا حبشيًا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد" رواه ابن ماجه والحاكم وهو صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي" رواه الحاكم وصححه الألباني رحمهما الله تعالى.

الخلاصة

أن دين الله كامل لا يحتاج إلى زيادة وبه نستغني عن عقائد أهل الكلام والفلاسفة والمناطقة وعن محدثات أهل البدع والأهواء وعن أنظمة الغرب ومناهج الحركيين. والله أسأل أن يوفق جميع المسلمين للأخذ بكتابه والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

المقالات