موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

و لا تقفُ ما ليس لك به علم

9 جمادى الأولى 1427 |

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :

فقد نهى الله تعالى عن اتباع ما ليس لنا به علم، وجعل القول عليه بلا علم من أكبر الكبائر بل أصل البلايا والمصائب والعقوبات والرذائل والموبقات والفواحش والمنكرات هو القول على الله بلا علم.

قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الاعراف - 33 ]. ففي هذه الآية أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم أن يعلن لعباده ما حرم عليهم بقوله "قل" ثم ذكر ما حرم عليهم "التحريم" و ليس مجرد النهي الذي قد يدل على الكراهة أو غيرها من المعاني فقال "حرم" و بين أن التحريم إنما هو من الرب الخالق المالك المدبر فقال "ربي" ثم ذكر المحرمات فبدأ بذكر الأخف فالأشد. فذكر "الفواحش ما ظهر منها و ما بطن" أي المعصية في السر والعلانية قليلة وكثيرة. ثم "الإثم" وهي المعاصي والخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه مما يظلم به، ثم ذكر "البغي بغير الحق" وهو التعدي على الناس بالسلب والضرب والسب والشتم والسفك والقتل وغير ذلك من أنواع الاعتداءات، ثم ذكر الشرك فقال "وأن تشركوا بالله" وهو الذنب الذي لا يغفر الله لصاحبه أبدا إذا لقيه عليه. و قوله "ما لم ينزل به سلطانا" وهذا البيان الواقع أي أن الله تعالى لم يأذن به بحال من الأحوال ولم يشرعه لعباده بل نهى عنه نهيا شديدا ثم ختم الآية بما هو جماع ذلك و كل ما تقدم في الآية ما هو إلا فرد من أفراده فقال "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون".

فما عصى العبد ربه بذنب أعظم من أن يتقول على الله بلا علم، وبيان هذا يصعب حصره وما لا يدرك كله لا يترك كله، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

من قال المسيح ابن الله أو عزير ابن الله أو إن الله ثالث ثلاثة فقد قال على الله تعالى بلا علم، ومن قال الملائكة بنات الله، وجعل الملائكة إناثا فقد قال على الله بلا علم. ومن عبد الأولياء والأصنام والأوثان وقال هؤلاء شفعاؤنا عند الله فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى: (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[يونس-18]

ومن قال إن الله تعالى خلق الخلق وتركهم سدى لا يأمرهم و لا ينهاهم ولا يبعثهم و لا يحاسبهم و لا يجازيهم فيتساوى المسلمون والمجرمون والمحسنون والمسيئون فقد قال على الله بلا علم. قال تعالى: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم))[النور-116،115]،وقال تعالى(( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ))[القلم-36،35]ِ

ومن قال إن غير حكم الله خير من حكم الله أو مساو له أو يجوز له أن يأخذ به أو بغيره فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى(( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))[المائدة-50]

ومن أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى(( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)) [يونس-59)

ومن زعم أن الله تعالى لم يختر لنبيه خير الأصحاب وخير الأزواج فقد قال على الله بلا علم. قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران-110]. وقال تعالى: { النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ } [الأحزاب-6].

ومن نفى ما سمى الله به نفسه أو سماه به نبيه صلى الله عليه و سلم أو نفى ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به نبيه صلى الله عليه و سلم فقد قال على الله بلا علم ولو زعم أن هذا تأويل أو تنزيه، فالله أعلم بنفسه من خلقه و رسوله صادق مصدق وقال تعالى(( قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ))[البقرة-160]

ومن زعم أن صفات الله تعالى تماثل صفات المخلوق فقد قال على الله بلا علم و الله تعالى يقول(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))[الشورى-11]

ومن زعم أن الله لم يقدر مقادير الخلق ولا مشيئة له فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى(( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا))[الفرقان-2]، وقال تعالى(( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ))[التكوير-29]

ومن زعم أن العبد مجبور على أفعاله مسلوب الإرادة والمشيئة فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى(( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)) [التكوير-28]

ومن زعم أن الأولياء أو الصالحين أو الكهنة أو العرافين أو غيرهم يعلمون الغيب فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ } [النمل-65].

و من زعم أنه أوحي إليه و لم يوح إليه فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى(( ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ))[الأنعام-93]

ومن زعم أن الدين لم يكمل و لا بأس بالبدع والمحدثات ليتقرب بها إلى الله تعالى فقد قال على الله بلا علم، قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ } [المائدة-3]، و قال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ۚ } [الشورى-21].

و هكذا أيها القارئ الكريم باب القول على الله بلا علم باب واسع كبير خطير تحته أبواب كثيرة من المحظورات و المنهيات. كما أن باب القول على الله بلا علم من أوسع أبواب الشيطان التي يدخل بها على بني آدم، قال تعالى(( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ))[البقرة-169،168] فالحذر الحذر من القول على الله بلا علم، وتأمل قول الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله (( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ )) [الحاقة-44-47]،والوتين عرق في القلب إذا قطع لا تبقى معه الحياة. أقول فإذا هذا الوعيد في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو المعصوم من القول على الله بلا علم فهو أولى في حق من دونه لو تقول على الله سبحانه وتعالى.

و اعلم عزيزي القارئ أنه يدخل في هذا: القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم يبلغ عن الله تعالى فمن وضع عليه الحديث فقد قال على الله بلا علم. و في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". و في الصحيحين أيضا "إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".

و أيضا من القول على الله بلا علم تفسير القرآن بلا بينة ولا برهان، قال أبو مليكة رحمه الله تعالى: "سئل أبو بكر - رضي الله عنه - عن آية فقال: أي أرض تقلني و أي سماء تظلني و أين أذهب وكيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أريد بها" [إعلام الموقعين لابن القيم - ١٢٧/٢].

ومن القول على الله بلا علم، الإفتاء في المسائل الشرعية من غير بينة و لا برهان. قال أبو حصين الأسدي: "إن أحدهم ليفتي في المسألة و لو ردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر" [إعلام الموقعين لابن القيم - ١٢٨/٢]. و قال ابن سيرين: "لئن يموت الرجل جاهلا خير له من أن يقول ما لا يعلم" [إعلام الموقعين لابن القيم - ١٢٨/٢].

و الخلاصة

أن القول على الله تعالى بلا علم هو أكبر الكبائر، لذلك يجب على المسلم ألا يتبع ما ليس له به علم، قال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ } أي لا تتبع ما ليس لك به علم { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء-36]. ومن قال إن الله تعالى يقبل غير الإسلام دينا فقد قال على الله بلا علم و هذا ما سنوافيكم به إن شاء الله في مقال قادم.

المقالات