موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

و جاء خطر التبديع (٣)

23 شوال 1430 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأزواجه وصحبه، أما بعد،

فما زلت في الرد على بعض الإخوة الذين يتسرعون بالتبديع الذين وضعوا لأنفسهم أصولاً فاسدة ودعوا الناس إليها ومن لم يتابعهم عليها رموه بشتى التهم أقلها بأنه منحرف عن المنهج أو ليس بسلفي أو ليس بسني أو أنه شابه الحزبيين أو مميع أو غير ذلك مما اعتادوه واستساغوا التلفظ به وأصبح قذف الناس به سهلاً على نفوسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فأقول: من أصولهم الفاسدة (عدم إنكار المنكرات الظاهرة والإنكار على من ينكرها)، زعموا أن إنكار المنكرات الظاهرة والتنبيه عليها ليس من منهج السلف! وأن السلف ما كانوا ينكرون إلا البدع أما إنكار المنكرات العامة والخاصة فهذا من فعل الحزبيين! وزعموا أيضا أن الإنكار إنما هو لولاة الأمر خاصة! قلت: لا شك أن هذا تأصيل فاسد بل باطل من وجوه:

  • أولا: لقد أنكر الله تعالى في كتابه وأنكر الرسول صلى الله عليه في سنته كل المنكرات من الشرك إلى أدنى خطيئة وفرض الله تعالى على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووصف المؤمنين والمؤمنات بذلك فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]، وقال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} سورة آل عمران الآية 104وقال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وفي حديث أبي سعيد المشهور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان» [رواه مسلم (49)]. والأدلة في هذا الباب يصعب حصرها فمن أين لكم تخصيص عموم هذه الأدلة وكيف تقولون ليس من منهج السلف إنكار المعاصي والمنكرات العامة؟!

  • ثانياً: من تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم وسلف الأمة واتباعهم إلى علمائنا في يومنا هذا وجد أنهم ينكرون كل منكر كبيراً كان أو صغيراً بالضوابط الشرعية العلمية المعروفة ولو كلف هذا المتسرع بالتبديع نفسه قليلاً لوجد ذلك واضحا جليلاً.

  • ثالثاً: ليس كل ما يفعله من سميتهم بالحزبيين باطل ولو كان كذلك للزم أن نترك الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك لأن الحزبيين يصلون ويزكون ويصومون { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (78)) [النساء].

البدعة أشد من المعصية

اعلم أخي القارئ وفقك الله لهداه أن مما قرره العلماء بأن البدعة أشد من المعصية أمر مسلم فيه ولا يتطرقه أدنى شك غير أن المتسرعين بالتبديع كالعادة فهموا هذه الجملة فهما سقيماً وأصلوا أصلاً فاسداً فقالوا كل بدعة أشد من كل معصية! وعلى هذا قال بعضهم إن تاركي الصلاة ومروجي المخدرات والمسكرات وأصحاب الفواحش والزنا واللواط أهون حالاً ممن ينتمي إلى الجمعية الفلانية!! كيف ذلك يا عقلاء صحيح ما عندكم علم ولستم من أهله لكن أليس لديكم عقول؟! قالوا: لأن البدعة أشد من المعصية! وهنا اترك التعليق لك أيها القارئ على هذا التأصيل الفاسد لأن ظهور بطلانه يغني عن الرد والتعليق عليه. وللأسف أن بعضهم يعلم بطلان هذا التأصل لكن لا ينكر بعضهم على بعض فماذا تركتم للحزبيين؟!

كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (حديث صحيح)

ظن المتسرعون بالتبديع أن هذا الحديث يدل على أن كل بدعة أشد من كل معصية وهذا الفهم غير صحيح أيضا إذ لا يخفى على أدنى طالب علم أن من المعاصي ما جاء فيها من الوعيد بالنار كما في قوله صلى الله عليه وسلم (كل مصور في النار) [رواه مسلم (2110)] عن ابن عباس رضي الله عنهما بل وجاء في بعض المعاصي الوعيد بالخلود في النار كمن قتل مؤمناً متعمدا قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وهكذا من قتل نفسه وجاء الوعيد في بعض المعاصي وجبت له النار أو الجنة عليه حرام وبعضها جاء الوعيد باللعن أو الغضب أو لا ينظر الله إليه ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم وجاء أيضا في بعض المعاصي من الوعيد بأن لا خلاق لهم يوم القيامة ولا يرح رائحة الجنة وجاء في بعض المعاصي نفي الإيمان والإسلام والخيرية وغير ذلك .حتى قال بعض أهل العلم: المعاصي بريد الكفر، وقالوا أيضا: المعاصي من جنس الكفر والشرك والطاعة من جنس الإيمان والتوحيد.

فهل يقال بعد هذا كله أن كل بدعة أشد من كل معصية؟ فإن قال المتسرع بالتبديع لكن البدعة ضلالة قلنا: نعم هذا حق وأيضا من المعاصي ما هي ضلالة وظلم وفسق وفجور بل ومنها ما سماها الشارع (كفرا)، والكفر أشد وذلك كترك الصلاة وقتل المسلم والنياحة والحكم بغير ما انزل الله والطعن في الأنساب وانتساب الرجل إلى غير أبيه وغير ذلك ولقد قال العلماء ليس بعد الكفر ذنب! فإن قال المتسرع بالتبديع إذن ما معنى البدعة أشد من المعصية؟ فأقول: سبق أن بينت ذلك في مقال سابق بعنوان البدعة أشد من المعصية مما يغني عن إعادته هنا فارجع إليه في موقعي فإنه نافع بإذن الله تعالى وسأضيف لك قول شيخنا ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- في جوابه على من سأل أيهما أشد البدعة أو المعصية فأجاب (البدعة معصية وزيادة وهي من حيث أثرها وكونها تقدماً بين يدي الله ورسوله أشد حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه لا توبة لمبتدع لأن البدعة تنتشر وردها صعب بعد انتشارها لا سيما وأن البدعة غالبا تغلف بأمر عاطفي وأنتم تعرفون أن عاطفة المسلمين بالنسبة لله ورسوله شديدة جدا فقد تكون البدعة اكبر وقد تكون المعصية اكبر حسب الحال لكن لو تساوتا من حيث الوزن فآثار البدعة أشد واضر على المسلمين) انتهى كلامه من موقعه رحمه الله تعالى.

فتأمل وتدبر هذا الكلام النفيس فقد افادنا رحمه الله أن البدعة أشد لو تساوت مع المعصية من حيث الوزن فمثلا لو قارنا بين بدعة مكفرة ومعصية مكفرة فالبدعة أشد وكذلك ولو قارنا بين بدعة مفسقة ومعصية مفسقة فالبدعة أشد ولو قارنا بين بدعة صغيرة (خطيئة) ومعصية صغيرة فالبدعة أيضا أشد أما لو قارنا بين معصية سماها الشارع (كفرا) كقتل المؤمن تعمدا مع بدعة خطيئة كالذكر الجماعي مثلا أو قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن، فلا شك أن المعصية في هذه الحال أشد لذلك قال شيخنا رحمه الله: (وقد تكون المعصية اكبر) بعد تقريره بأن البدعة اشد. فعليك بهذا التقرير من هذا العالم النحرير ودع عنك قول ذلك المتعالم الصغير!

البدع تتفاوت

إليك اخي القارئ ما افادنا به الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى في كلام مسجل له نافع مفيد بين فيه تفاوت البدع فقال: البدع تختلف فمنها المكفرة كالرفض والتجهم ووحدة الوجود وغيرها من البدع الكبار ومنها ما هو مفسق كالتمشعر ومنها ما هو مجرد خطيئة كالذكر الجماعي) انتهى كلامه. فيا ليت المتسرع بالتبديع يتدبر هذا الكلام ليتم تنزيله على كل فرد أو جماعة بحسب الحكم الذي يناسبه.

يرسل ولا يستقبل ينصح ولا يقبل النصيحة

يتشنج بعض المتسرعين بالتبديع ويزداد صراخه إذا رد عليه أحد أو بين اخطائه وكما قيل: الصراخ على قدر الوجع! غريب جدا حال كثير من الناس ينتقد ويرد ويفند ويخطأ وينكر ويهاجم ويحصي اخطاء الآخرين ويبدع ويضلل بل ومنهم من يكفر أو يكاد لكنه غير مستعد لقبول أي كلمة ينتقد بها أو أي ملاحظة تؤخذ عليه وكأن لسان حاله يقول إن ذاته مقدسة فوق مستوى الانتقاد أو أنه معصوم من الخطأ فتجده لا يكاد يسلم بشيء وهذا بحد ذاته خطأ وانحراف ولله در القائل: من ذا الذي ما ساء قط ومن ذا الذي له الحسنى فقط فلا أدري كيف يريد من الناس أن يقبلوا منه أو ينتصحوا بنصيحته وهو لا يقبل نقدا ولا ينتصح بنصيحة؟ !ثم الواجب عليه أن يرد ردا علمياً بالأدلة والقواعد والتأصيل مدعماً ما يذهب إليه بأقوال أهل العلم المحققين أما التشنج والصراخ فهذا أسلوب الضعيف فتنبه لهذا واعلم أن (مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) كما روى البيهقي في السنن الكبرى (10/ 119) عن عمر بن الخطاب رضي عنه.

اخي القارئ حفظك الله تعالى مازال في الجعبة شيء كثير في نقد أصول المتسرعين في التبديع فانتظر المقال القادم إن شاء الله تعالى والله اسأل ان يجعلني واخواني ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه والحمد لله أولاً وآخراً وظاهرا وباطناً وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات