موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

مهلا { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }

2 جمادى الآخرة 1430 |

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فما زلت مع ((الهيتوي)) ((الأشعري)) هداه الله للسنة والصواب ووقاه شر ما هو فيه من التحريف والضلال.

أخي القارئ، سبق أن بينت لك أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أنهم على الحق بلا شك، وفي مقالي ومقامي هذا سأكمل ما وعدتك به من الرد على ذلك الأشعري الذي كان على فطرته من أسرة فاضلة لا تعرف التحريف لصفات الله عز وجل، حتى ابتلي أحد أبنائها بهيتو و ابن عبد الغفور وأمثالهما وتأثر بهما فانحرف في عقيدته، وبدأ في السنوات الأخيرة ينشط في نشر ما تعلمه من أولئك، لذا احتسبت الأجر والثواب من الله الكريم الوهاب في الرد عليه تحذيراً للمسلمين، ونصيحة له وللآخرين وأنا على يقين أن هذا خير له لو كان يعلم، لأن الرد عليه فيه إحسان له، وذلك حتى لا يزداد المغترون به فيزداد إثماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً" [رواه مسلم (2674) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أخي القارئ إليك ما قاله في مقابلة متلفزة بالحرف الواحد.

الهيتوي: أنا لو سألتك أنت الآن لو سمعت أو قرأت هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح:10]، ماذا يخطر على بالك في كلمة { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ }؟

المذيع: الله قادر على كل شيء.

الهيتوي: انهم تحت حماية الله تعالى هذا هو التأويل، وطبعاً التأويل حسب قواعد اللغة الصحيحة وهذا مذهب مثل ما قلت لك هو مذهب غالب علماء الأمة. فمن الظلم من الظلم وطبعاً ناتج من جهل وعدم الإلمام بهذا المذهب أن يقال عن الأشاعرة إنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة هذا حقيقة الذي أقوله، وطبعا وأنا أتكلم في هذا الأمر أنا أقول الأمة ليست بحاجة إلى مثل هذه الأمور نحن في بلد إسلام، ونحن يكفينا الإجمالي، هذه فترة كانت في السابق ثم انتهينا منها، نعم فترة ظهرت هكذا أنا أقول لخلافات تقريبا خلافات بين الكتب، ومات من يفهم مثل هذه الأمور، توفي من يفهم مثل هذه الأمور فإحنا (نحن) ما يجوز أن نفتن العوام بمثل هذه الأمور، والناس يكفيهم الإيمان الإجمالي" انتهى كلامه.

اخي القارئ الكريم إذا تأملت كلامه وجدت أنه لبَّس على الناس كثيراً لذا سأقف معه وقفات مهمة، سيظهر لك مدى خطورة كلامه وتناقضه فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

الوقفة الأولى

زعم الأشعري أن قوله تعالى { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } لا يدل على أن لله يداً حقيقية، لأن المراد من قوله تعالى { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أنهم تحت حماية الله، فأقول: حتى لو كان المراد بالآية أنهم تحت حماية الله أو يمدهم الله بتأييده، فلا يعني هذا أن ليس لله يداً، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق المرسلة، (3/989): »وتأمل قوله { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح: 10]، فلما كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ويضرب بيده على أيديهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السفير بينه وبينهم كانت مبايعتهم له مبايعة لله، ولما كان الله سبحانه فوق سماواته على عرشه وفوق الخلائق كلهم كانت يده فوق أيديهم، كما أنه سبحانه فوقهم، فهل يصح هذا لمن ليس له يد حقيقية؟ فكيف يستقيم أن يكون المعنى قدرة الله ونعمته فوق قدرتهم ونعمهم، أم تقتضي المقابلة أن يكون المعنى هو الذي يسبق إلى الأفهام من هذا الكلام" أ هـ

وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله بعد توبته ورجوعه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في كتابه الإبانة (ص 106): "مسألة: فإن سئلنا أتقولون إن لله يدين؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله عز وجل { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح: 10] وقوله عز وجل { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم بيده، فمسح ظهره بيده، فاستخرج منه ذريته" فثبت أنه له يدين بلا كيف" أ. هـ

الوقفة الثانية

وقول الهيتوي: »هذا هو التأويل وطبعا حسب قواعد اللغة الصحيحة«، فأقول: »ما سماه تأويلاً هو في الحقيقة تحريف، كما قال الله تعالى { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [المائدة: 13]، وإنما أطلقوا عليه تأويلا تلطيفا له، وحتى يروجوه ويخدعوا به الناس، فلو سألناه سؤالا صريحا: »هل تؤمن بأن لله يداً حقيقية، تليق به يطوي بها السماء، ويبسطها بالليل والنهار للتائبين، وأن الله خلق بيديه آدم عليه السلام، وأن كلتا يدي الله يمين، وأن من أنكر ذلك فهو ضال مبتدع؟«، أقول: أحسب أن هذا الأشعري لن يقول ذلك إلا إذا تاب إلى الله عز وجل ورجع إلى رشده، وفطرته، عما لقنه به "هيتو" وأمثاله.

الوقفة الثالثة

وقول الهيتوي: ((وطبعاً التأويل حسب قواعد اللغة"، كذب صريح وضلال مبين، فإنه وأمثاله يحرفون صفة اليدين لله عز وجل عن هوى، بلا قواعد ولا أصول، ولو اتقى الله عز وجل ما وسعه إلا أن يقول ))إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام بيديه، كما قال تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75]، فإن الآية دلت بوضوح كما هو الأصل والظاهر، أنهما يدان حقيقيتان فليس له ولأمثاله وجه في صرف هذه الآية عن الحقيقة إلى المجاز، لأن السياق لا يدل إلا على الحقيقة، وليس فيه قرينة تدل على أنه أراد سوى ذلك، فالله تعالى يقول ( خلقت بيديَّ )، فلو كان المعنى كما يزعمون أن المراد باليد القدرة، لما ذكر الله اليد بصيغة التثنية، ولقال خلقت بِيَديِ، ثم أي ميزة لآدم عليه السلام إذا كان الله عز وجل خلقه بقدرته، فالله عز وجل خلق جميع المخلوقات بقدرته، حتى إبليس . وفي حديث الشفاعة الطويل الذي رواه البخاري (7440) ومسلم (193) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((...... فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، وعلمك اسماء كل شيء .....))، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يقولون لنوح أو إبراهيم أو موسى عليهم السلام أن الله خلقكم بيده، فتعيّن أن المراد باليدين، اليدان الحقيقيتان، فلماذا المكابرة والإصرار على الباطل، نعم العرب يطلقون على النعمة »يدا«، لكن لا يعبرون عنها بصيغة التثنية، أما اليد الحقيقة فقد وصفها الله عز وجل، بأنها، يمين، ويقبض ويبسط، ويمسح ويطوي وغير ذلك، كما قال تعالى: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [المائدة: 64]، وهذا في سياق الرد على اليهود الذين قالوا: { يد الله مغلولة }، فلم يقل الله عز وجل ليس لي يد، بل قال: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }، فذكر الله عز وجل اليدين بالتثنية، ولو أراد الله عز وجل باليد النعمة، لذكرها بالإفراد، كقوله تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [النحل: 18]، أو بصيغة الجمع كما قال تعالى: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان: 20]، أما بالتثنية فلا يراد بهما إلا اليدين الحقيقتين.

أيها الأشعري، إن كنت صادقاً بأن تأويلك- أي تحريفك- لصفة اليد، حسب قواعد اللغة الصحيحة، فأتحداك ولك من الآن سنة، أن تذكر القواعد الصحيحة، التي تدل على تأويل النصوص الآتية:

  1. قال تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67].

  2. وقوله صلى الله عليه وسلم: »يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟« [البخاري (6519) ومسلم (2787) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

  3. وقوله صلى الله عليه وسلم: »إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا«[مسلم (1827) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما].

  4. أم كيف يمكنك أن تأول صفة الأصابع لله عز وجل كما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: قال: »جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، أنا الملك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قرأ { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }« [البخاري (7415) ومسلم (2786)].

  5. وما الذي يبسطه الله تعالى للتائبين في الليل والنهار قدرته أم نعمته؟ أم يده الكريمة الحقيقية؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))، [مسلم (2759) عن أبي موسى رضي الله عنه].

الوقفة الرابعة

أما قوله ((هو مذهب غالب علماء الأمة))، فهذا كذب افتراء وتلبيس على الناس وقد سبق أن ذكرت في مقالي السابق أن القرون الثلاثة من عُمْرِ هذه الأمة التي احتضنت أكبر قدر وعدد من علماء الأمة ليس منهم من حرّف هذه التحريفات أو قال بهذه العقائد الكلامية فليس في علماء الصحابة ولا التابعين ولا المحدثين ولا الفقهاء حتى جاءت القرون المتأخرة وظهر فيها من يقول بهذه العقائد الكلامية.

الوقفة الخامسة

قوله: ((فمن الظلم من الظلم وطبعا ناتج عن جهل وعدم إلمام بهذا المذهب أن يقال عن الأشاعرة إنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة))، أقول: انظر أيها القارئ يَظْلم ويُجهِلُ ويَتَّهِمُ الآخرين بما هو واقع فيه حقا، كما قيل: (رمتني بدائها وانسلت)، فسبحان الله كيف يكون الأشاعرة الذين ابتدعوا عقيدتهم في آخر القرن الثالث أو أول القرن الرابع من أهل السنة والجماعة؟! بل اسوأ من ذلك من يقول الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، فهؤلاء أشبه ما يكونون- بزعمهم هذا- كاليهود والنصارى الذين قالوا إبراهيم عليه السلام كان يهودياً أو نصرانياً مع أن اليهودية والنصرانية ما وجدت إلا بعد إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 65]، فكيف يكون السابق تابعا للاحق؟! وأقول أيضا: ومَنْ قال إن الأشاعرة لا يختلفون مع أهل السنة إلا في ((تحريف الصفات))؟! بل هم يختلفون كثيراً في سائر مسائل الاعتقاد إلا عدالة الصحابة فإن الأشاعرة لا يكفرون الصحابة.

نعم: قد يقال الأشاعرة سنة أي ليسوا شيعة أما أنهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فهذا بعيد جدا لا يقوله إلا ظالم جاهل.

الوقفة السادسة

وأما قوله الأمة ليست بحاجة إلى مثل هذه الأمور نحن في بلد إسلام ونحن يكفينا الإجمالي هذه فترة كانت في السابق ثم انتهينا منها... إلخ«، فأقول: سبحان الله إذا كنا لسنا بحاجة إلى هذه العقائد الكلامية المعتزلية الأشعرية فلماذا تثيرها بين الحين والآخر؟! لماذا تقررها وتبثها ثم تقول انتهت؟! لماذا لا ترجع إلى فطرتك وعقيدتك التي عليها أهلك وتترك عقيدة الأشاعرة التي غرّك بها »هيتو« و »ابن عبد الغفور«؟ فأنا ما زلت أدعوك وأدعو لك أن تتوب إلى الله تعالى وتتمسك حقا بعقيدة الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات