موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

الجامية حزب أم فرقة أم طائفة أم مذهب؟! (٣)

19 محرم 1429 |

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما زلنا مع تلك المناظرة التي كتبتها من تأليفي ولقد عقدتها بين شيخ سني سلفي وبين شاب تائه قد تأثر بكلام سمعه من بعض الناس يلمزون السلفيين أهل السنة والجماعة، أهل الحديث والأثر بـ (الجامية) وعرفنا فيما سبق أن هذه التسمية التي لا حقيقة لها ما هي إلا لمز قصدوا به التشويش والتنفير وإنما هناك شيخ وعالم جليل اسمه محمد أمان بن علي جامي رحمه الله تعالى كان سلفياً وتكلم في أهل الأهواء والبدع والأحزاب فاطلقوا على كل سلفي لقب "جامي" وفي هذا المقال متابعة للحوار بين الشيخ والتائه، والله أسأل أن ينفعني بالحق وينفع بي وأن يجعل عملي مقبولاً عنده جل وعلا وحده فهو نعم المولى ونعم النصير.

التائه: السلام عليك ورحمة الله.

الشيخ: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله وبارك فيك.

التائه: لقد جئتك على الموعد وباشتياق كبير لإتمام ما تفضلت به من الأجوبة في الرد على من يلمز السلفيين بـ "الجامية".

الشيخ: وأنا على ما وعدتك به.

التائه: كان آخر ما سألتك عنه هو ما يثار بين الحين والآخر بأن السلفيين لا يرون الجهاد في سبيل الله تعالى.

الشيخ: الجهاد ذروة سنام الإسلام وأدلته في الكتاب والسنة متواترة وهو معلوم من الدين بالضرورة فكيف تصدق أن مسلماً فضلا عن عالم من العلماء لا يراه أو ينكره؟

التائه: هكذا يقال وأنا أعرف أن من أنكر الجهاد فقد كفر.

الشيخ: هذا هو الحق.

التائه: إذن لماذا اشتهر عن السلفيين أنهم لا يرون الجهاد.

الشيخ: السلفيون يرون شرعية الجهاد الصحيح وبشروطه المعتبرة وأن يكون مع القدرة وبإذن ولي الأمر وغير ذلك من الضوابط المذكورة في موضعها من كتب أهل العلم.

التائه: هل يوجد جهاد اليوم بالضوابط الشرعية؟

الشيخ: الجهاد وسيلة وليس غاية.

التائه: أرجو من فضيلتك التوضيح أكثر.

الشيخ: إنما شرع الله تعالى الجهاد لتحقيق العبادة له وحده، قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [البقرة ـ 193]، وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" البخاري ]25[ ومسلم ]22[

التائه: هذا جيد، أفهم منه أن أكثر الناس لم ينتبهوا لهذا المقصود الشرعي.

الشيخ: نعم، كثير من الشعوب ومنهم الكفار والمسلمون يناضلون ويقاتلون من أجل غايات ليست من الجهاد الشرعي، ويوضح هذا حديث ابي موسى الأشعري رضي الله عنه المشهور الذي رواه البخاري]2810[ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذِّكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". فتأمل الحديث وتدبر لتعرف أن الجهاد الشرعي هو من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.

التائه: لا أستطيع أن أعارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أنقل لك ما يقولون فأنا أتكلم على لسانهم.

الشيخ: وماذا يقولون؟

التائه: أن السلفيين "الجامية"ـ كما يقولون لا يدعون الأمة إلى جهاد الكفار.

الشيخ: المسلمون اليوم ضعفاء بالنسبة للعدو من جهة العدة والعتاد فالكافر هو المصنع للاسلحة والمحتكر لها ولا يدفعها للمسلمين إلا بمعاهدات ومواثيق ولا يستعملها إلا بإذنه بل لا يبيع المسلمين إلا الرديء منها، وإذا باعهم الجيد احتكر قطع الغيار والصيانة له فالكفار ليسوا أغبياء كما يتصور البعض.

التائه: لكن الله تعالى يقول (إن تنصروا الله ينصركم) [محمد ـ 7[.

الشيخ: هذا حق لو نصرنا الله لنصرنا، فهل المسلمون اليوم نصروا الله؟

التائه: لا شك فيهم تقصير.

الشيخ: أي تقصير؟ القبور تُعبد والإله يُشتم والإسلام يُستهزأ به، والشرع ينتهك، والبدع قائمة والفواحش والمنكرات منتشرة وما خفي أعظم فمتى نصرنا الله حتى ينصرنا؟!

التائه: هذا حق، ولكن الله تعالى يقول: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) [البقرةـ 249].

الشيخ: قال تعالى (بإذن الله) والله لا يأذن أن ينتصر المسلمون وهم يحاربون الله ورسوله، لا بد لنا من الرجوع إلى الله تعالى.

التائه: إذن لن نجاهد حتى يظهر المهدي ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً، ونبقى في هذا الذل وسيطرة العدو!!

الشيخ: يا بني ألم أقل لك الجهاد وسيلة وليس غاية؟

التائه: بلى.

الشيخ: الان، نسعى لنحقق عبادة الله تعالى ونصلح أنفسنا وأهلنا، نجاهد بطلب العلم والعمل والدعوة والصبر فالجهاد له أبواب كثيرة وليس مقتصراً على مواجهة الكفار بالسلاح.

التائه: لا بد من القتال إما الشهادة أو النصر.

الشيخ: والله إن إقناعك وإقناع أمثالك من الجهاد في سبيل الله.

التائه: سبحان الله الكفار المتسلطون على بلاد المسلمين الهاتكين أعراض المسلمات تقول لا نقاتلهم ثم تريد الجهاد فيَّ وفي أمثالي!.

الشيخ: الله المستعان يا بني يا حبيبي رويداً رويداً أنا أقول الذين يدعون الشباب اليوم لجهاد العدو الكافر هم في الحقيقة يسعون لهلاكهم من حيث لا يشعرون.

التائه: كيف كيف؟

الشيخ: سأقرأ عليك كلام شيخ حكيم.

التائه: أي شيخ؟ الجامي؟!

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، اتق الله يا بني وما يدريك كم سيأخذ منك الشيخ محمد أمان الجامي من الحسنات يوم القيامة؟ لقد غَرر بك هؤلاء حتى تعلمت منهم الجرأة على العلماء الأموات منهم والأحياء.

التائه: استغفر الله وأتوب إليه، أعوذ بالله من الشيطان، اسأل الله أن يغفر لي وللشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى.

الشيخ: الواجب أن تتعلم الأدب قبل العلم، وما الذي ضيع الشباب سوى هذا الحماس المفرط حتى استغلهم بعض المنظرين من أهل الأهواء فادخلوهم في متاهات وكرهوهم في ولاتهم وعلمائهم حتى بلغ الأمر فيهم إلى عقوق الوالدين وسفك دماء المسلمين كل ذلك باسم الجهاد المزعوم الذي لا ينصب إلا في مصلحة أعداء المسلمين، بل جعل عامة المسلمين يكرهون الدين وأهله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التائه: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد ذبتُ خجلا من سوء تصرفي وقبح أسلوبي.

الشيخ: اسأل الله أن يشرح صدرك للحق.

التائه: آمين.

الشيخ: والآن هل تسمح لي أن أقرأ عليك كلام شيخ حكيم؟

التائه: استغفر الله تفضل.

الشيخ: قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ولهذا لو قال لنا قائل، الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا؟! لماذا؟ لعدم القدرة. الأسلحة التي قد ذهب عصرها عندهم هي التي في أيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئا فكيف يمكن ان نقاتل هؤلاء؟ ولهذا أقول: إنه من الحمق أن يقول قائل: إنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وإنجلترا وروسيا. كيف نقاتل؟ هذا تأباه حكمة الله تعالى ويأباه شرعه لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله تعالى به: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة واهم قوة نعدها هو الإيمان والتقوى. أ هـ

التائه: هذا قول سديد من رجل رشيد ليس عليه مزيد!

الشيخ: تأمل قول الشيخ في وصفه لجهاد هؤلاء المزعوم لما قال (إنه من الحمق) فأي حماقة فوق هذه الحماقة، دماء تسفك وشباب ذهبوا ضحية فمنهم المفقود ومنهم العاق لوالديه، ومنهم المسجون فكم من أرملة خلفوا وكم من ثكلى تبكي ابنها وكم من صبية يعانون اليتم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التائه: هذه التضحيات لا بد منها أليس كذلك؟

الشيخ: هذه مواجهات خاسرة ليس من ورائها إلا الهزائم المتتالية.

التائه: إذن لا جهاد بعد اليوم؟

الشيخ: مفهوم الجهاد أوسع مما يصوره هؤلاء.

التائه: كيف؟

الشيخ: الإسلام يَعْلو ولا يُعْلى عليه، فهذه العهود والمواثيق التي بين الدول اليوم لمصلحة المسلمين، فَتَوْقف الحروب فتحٌ للمسلمين حتى يدعون إلى الله ويظهروا محاسن الإسلام بالحجة والبرهان حتى يتسنى لغير المسلمين معرفة الحق ثم يدخلون في الإسلام أفواجاً ان شاء الله تعالى .

التائه: افهم من كلام فضيلتك ان الجهاد أبوابه كثيرة وليس مقتصراً على مواجهة العدو بالقتال أليس كذلك؟

الشيخ: بلى والله اسأل أن ألقاك في الأسبوع المقبل يوم الاثنين على صفحة "الإبانة" من جريدة "الوطن" فإلى اللقاء.

المقالات