موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)

19 جمادى الآخرة 1429 |

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلقد سبق أن ذكرت للأخوة الكرام من القراء الأعزاء أن أهم أسباب ضلال وانحراف أهل البدع والأهواء ثلاثة أسباب وهي:

  • عدم الدليل من الكتاب والسنة فيما ذهبوا إليه.

  • اعتمادهم على دليل غير صحيح كالأحاديث الموضوعة والضعيفة.

  • اعتمادهم على دليل صحيح ولكن غير صريح في دلالته على ما ذهبوا إليه، وهذا السبب هو أخطرها وأكثرها رواجاً وبه يحصل الالتباس والتضليل.

بينما أكتب ردا على الدكتور شافي سلطان العجمي أحد دكاترة كلية الشريعة في جامعة الكويت وهو ممن يدعو إلى الجهاد المزعوم اتصل بي أحد طلاب كلية الشريعة وأخبرني أن الدكتور المذكور بينما يقرر مسائل الجهاد أحال الطلاب إلى كتاب لأحد الدكاترة في دمشق اسمه محمد سعيد رمضان البوطي وكتابه "الجهاد في الإسلام كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟" ولا عجب أن تقع الطيور على أشكالها وكنت مضطرا أن أرجع إلى الكتاب المذكور وإن كان الكاتب معروفا ببغضه لأهل السنة "السلفيين" إذ اطلق عليهم المذهب الخامس ولعلمائنا عليه ردود منهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ومنهم الشيخ عبد المحسن العباد ومنهم الشيخ محمد عيد عباسي وغيرهم. وخلاصة القول رجعت إلى كتاب البوطي المذكور وقرأت بعضه فوجدته لا يقيم لشرط القدرة والاستطاعة وزناً ، وتهكم كثيراً بمن اشترط ذلك الشرط.

وذكرت لك أخي القارئ الكريم في المقال السابق أدلة شرط القدرة وأقوال علماء السنة في ذلك مما يغني عن إعادته هنا، لكن وجدت الدكتور البوطي قد استدل بقوله تعالى ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة- 249]، وإليك أخي القارئ نص كلامه حتى لا يظن أحد أني بترته عن سياقه. يقول في ص75:

"ويعلل كثير من الناس عدم مشروعية الجهاد في هذه السنوات بضعف المسلمين وقلتهم، غير أن هذه العلة غير واضحة هنا قط، لا على مستوى العلة المؤثرة التي ينبغي أن يكون منصوصا عليها، ولا على مستوى العلة الملائمة التي تعتمد على انسجامها مع المقاصد الكلية ومع ظاهرة الطرد والعكس، بل إن في قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) [الأنفال- 65]، وفي قوله عز وجل (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة- 249]، ما يدل على فساد هذه العلة وبطلانها وما يؤكد أن موجبات القتال لو كانت موجودة في العهد المكي، لما كان لقلة المسلمين أثر في إيقاف هذا الواجب، كيف وإن البيان الإلهي يغرس في عقول الصادقين من عباده وقلوبهم، اليقين التام بأن قلتهم لن تكون سببا لتغلب الأعداء عليهم" انتهى كلامه.

قلت: ولا أدري البوطي (مرجع دكتور الشريعة) يخاطب أي عقول؟ انظر اخي القارئ إلى قوله (ويعلل كثير من الناس عدم مشروعية الجهاد في هذه السنوات بضعف المسلمين وقلتهم) فأشار إلى العلماء الأجلاء بأنهم بعض الناس مع انهم اعلم منه وأهدى سبيلا.

قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:

"فإن قال لنا قائل الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا لماذا؟ لعدم القدرة، الأسلحة التي ذهب عصرها عندهم هي التي بأيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ، ما تفيد شيئا فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء؟ ولهذا أقول إنه من الحمق أن يقول قائل إنه يجب علينا الآن أن نقاتل أمريكا وفرنسا وإنجلترا وروسيا كيف نقاتل؟ هذا تأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمرنا الله به عز وجل (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) [الانفال- 60]، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى. ثم يقول الدكتور البوطي (مرجع دكتور الشريعة):" غير أن هذه العلة غير واضحة هنا قط لا على مستوى العلة المؤثرة.... إلخ".

فأقول: سبحان الله كيف يجرؤ أن يدعي هذه الدعوة فعلة عدم الاستطاعة بسقوط جميع التكاليف على وجه العموم والجهاد على وجه الخصوص ظاهرة بل منصوصة، فكل من لم يستطع الجهاد لضعفه وعدم قدرته عليه فهو غير مكلف به، ولعل الدكتور كما سمعت عنه سابقا يستعرض بعبارات الأصوليين ويتكلم بما لا يفهمه العامة حتى يظن من لم يفطن لكلامه أنه عالم بحر مستواه فوق عقول الناس.

ثم تأمل كيف استدل الدكتور البوطي بالآية المنسوخة (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين....إلخ) وترك الآية الناسخة وهي بعدها مباشرة أعني قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال- 66]. ولعل الدكتور البوطي ترك الاستدلال بالآية الثانية الناسخة- والله أعلم- لأحد احتمالين وهما:

  • الاحتمال الأول: لأن الآية تخالف ما يقرره بقوله (ويعلل كثير من الناس عدم مشروعية الجهاد في هذه السنوات بضعف المسلمين وقلتهم) والآية تدل على وجوب قتال الكفار والثبات أمامهم إذا كان عدد المقاتلين المسلمين نصف عدد المقاتلين الكفار.

  • والاحتمال الثاني: أنه حسب ألا ينتبه له أحد خاصة أن قراءه يؤيدونه ويحيلون إلى كتبه من غير تدبر كما هو حال دكتور الشريعة.

وأما استدلاله بقوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) فلا وجه له، فهذا خبر من الله تعالى بأنه إن شاء تعالى أن ينصر من يشاء نصره بإذنه عز وجل وليس معناه أن أي فئة ولو كانت ضعيفة أو قليلة يحق لها أن تواجه أي عدو بأي عدد وعدة كانت ومهما بلغ عدد الكفار وبلغت قوتهم. بل هذا كما قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى إن هذا من الحمق.... وتأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه.

أقول: أخي القارئ الكريم لو صح الاستدلال بالآيات الكريمة بهذه الطريقة التي يستدل بها الدكتور البوطي لأفسدنا الدين والدنيا. فقد يخرج علينا غدا عشرون شابا أو خمسة عشر ويواجهون اكبر دول العالم عددا وعدة استدلالا بالآية وبقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) [محمد- 7]، وبقوله (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) [غافر- 6] وبقوله (إن الله على كل شيء قدير) [البقرة-20 [ وبقوله (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) [الطلاق- 3] وبقوله (إنما أمره إذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [يس- 82] وغيرها من الآيات الكريمة التي في الحقيقة لا تدل من قريب ولا من بعيد أن نجاهد العدو ولو كنا في حال ضعف وقلة، بل الله تعالى قدر كل شيء وقدر له أسبابه وتأمل حال الصحابة رضي الله عنهم في غزوة أحد وفي غزوة مؤتة لماذا لم ينتصروا على عدوهم مع أن الله تعالى قال تلك الآيات التي ذكرتها لك آنفا ومنها قوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة...) إلخ؟!

والحق الذي اسأل الله أن يهدينا إليه أن استدلال الدكتور البوطي أشبه ما يكون باستدلال الصوفية بقول الله تعالى (إن الله على كل شيء قدير) ثم يكذبون ويزعمون كرامات خيالية ما حدث عُشرها للصحابة رضي الله عنهم فإذا انكر عليهم أهل السنة قالوا: أوليس الله على كل شيء قدير؟! أوليس الله يجيب دعاء من دعاه؟! قلت: الله أكبر تشابهت قلوبهم.

أخي القارئ الكريم بينما أكتب هذه الردود على دكتور الشريعة القائل في خطبته على المنبر:"يقول بعض السفهاء إن الجهاد من شروطه أن يستأذن ولي الامر- والله- ما قال بها إلا إبليس، ما نطق بهذه الكلمات إلا الشيطان" أ هـ،

أرسل إليَّ أحد الأبناء رسالة هذا نصها: يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق:"ولا يشترط الإمام إلا في جهاد الطلب وأما في جهاد الدفع فإنه لا يشترط إذن الإمام" أ هـ من كتاب صفحات في حياة داعية لعبد الرحمن عبد الخالق تقديم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ص 119.

قلت: قليل من التقوى تجعل دكتور الشريعة يستغفر الله ويتوب إليه، فها هو الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق من منهجك أو قريب منك قد نص على شرط إذن الإمام في جهاد الطلب.

والله أسأل أن يهدينا وإياه صراطه المستقيم والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات