موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

البدعة أشد وأغلظ من الكبائر

24 ذو الحجة 1429 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن من المقرر عند علماء أهل السنة أن معصية الله تعالى ورسوله تتفاوت تفاوتًا كبيرًا فأشدها وأغلظها الشرك الأكبر ثم الشرك الأصغر ثم البدعة ثم الكبيرة ثم الصغيرة أو الخطيئة، وهذه الدرجات دلت عليها أدلة من الكتاب والسنة واستقر عليها اعتقاد أهل السنة والجماعة، إلا أن ثمَّ حيثيات ومسائل قد تغيب أو تشكل على بعض طلبة العلم أحببت أن أتطرق لها في مقالي هذا لعل الله تعالى أن ينفع بها.

  • أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى: قال أئمة المسلمين كسفيان الثوري: (إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن البدعة لا يُتاب منها، والمعصية يُتاب منها) أ. هـ [من كتاب التحفة العراقية في الأعمال القلبية، صفحة (12)]، وهذا هو الأصل، وأنت تلاحظ أخي القارئ أن شيخ الإسلام نسب هذا إلى أئمة المسلمين.

  • أن البدعة قرينة الشرك فهي تنافي شهادة أن محمدًا رسول الله كما أن الشرك ينافي شهادة أن لا إله إلا الله.

  • أن كثيرًا من المشركين يشرك بالله تعالى بعبادة الأولياء والصالحين ظانًا أن في ذلك تعظيمًا لله فيدعو الأولياء ليقربوه إلى الله زلفى ويتخذهم وسائط فيصرف لهم أنواعًا من العبادة زاعمًا أنها تشفع له عند الله تعالى مع اعتقاده أن هذا مما يحبه الله، وكذلك المبتدع يظن أن الإحداث في الدين هو زيادة قربى يتقرب بها إلى الله تعالى. وفي الحقيقة أن الشرك والبدع لا تزيد أصحابها من الله تعالى إلا بُعدًا.

  • أن من البدع ما هي شرك وكفر ومنها ما هي كبيرة ومنها ما هي معصية، فهي ليست على دركة واحدة فمنها بدع في الاعتقاد، ومنها بدع في الأقوال والأعمال، وهذه أيضا تتفاوت فمنها ما هي شرك ومنها دون ذلك كبدع الوضوء والصلاة والحج ونحوها. قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - في كتابه [الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، صفحة (323)]:

(ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة.

فمنها ما هو: كفر صراح كالطواف بالقبور تقربًا إلى أصحابها وتقديم الذبائح والنذور لها ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم وكمقالات غلاة الجهمية والمعتزلة.

ومنها ما هو: فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية.

ومنها ما هو: معصية كبدعة التبتل والصيام قائمًا في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع). انتهى

وقال شيخنا محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في كتابه [القول المفيد على كتاب التوحيد - باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!]:

(... ولا شك أن البدع دركات بعضها أسفل من بعض فعلى المرء الحذر من البدع، وأن يكون متبعًا لمنهج السلف الصالح في هذا الباب وفي غيره). ( 1 /416 ).

  • البدع شر من الكبائر من وجه والكبائر شر من البدع من وجه آخر، قال شيخ الإسلام في كتابه [الاستقامة (1/454)]:

(وجنس البدع وإن كان شرًا لكن الفجور شر من وجه آخر، وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرًا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونًا باعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في أصل الاعتقاد، وأما المبتدع فلابد أن تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد أن باطلها حق أيضًا ففيه من الحسن ما ليس من الفجور ومن السيئ ما ليس في الفجور، وكذلك بالعكس) أ.هـ

  • البدع وإن كانت أشد وأغلظ من الكبائر لكن ليست بالضرورة أن تكون كل بدعة أشد وأغلظ من كل كبيرة، وسئل شيخنا محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - أيهما أشد المعصية أم البدعة؟ فأجاب:

(البدعة معصية وزيادة، وهي من حيث أثرها وكونها تقدمًا بين يدي الله ورسوله أشد، حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه لا توبة لمبتدع؛ لأن البدعة تنتشر وردها صعب بعد انتشارها، لا سيما وأن البدعة غالبًا تغلف بأمر عاطفي، وأنتم تعرفون أن عاطفة المسلمين بالنسبة لله ورسوله شديدة جدًا، فقد تكون البدعة أكبر وقد تكون المعصية أكبر حسب الحال، لكن لو تساوتا من حيث الوزن، فآثار البدعة أشد وأضر على المسلمين). انتهى كلامه. (سلسلة لقاء الباب المفتوح - شريط رقم 131 - الوجه الثاني - في الدقيقة 21:41 من موقع الشيخ رحمه الله تعالى www.binothaimeen.com/sound/snd/a0016/A0016-131B.rm)

وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل شيخ - حفظه الله - في شرحه لكتاب فضل الإسـلام للإمام محمد بن عبد الوهاب [الشريط 5 - الدقيقة 22]:

(فجنس البدعة أشنع وأغلظ من الكبائر - من جنس الكبائر -؛ لا يعني أن كل بدعة أعظم من كل كبيرة، لا، ولكن جنس البدع لأنها:

• معارضة للرسول صلى الله عليه وسلم.

• واستدراك عليه.

• وشرع دين لم يأذن به.

• وتعبد بأشياء لم تكن عليها سنته من جهة الاعتقاد والشبهة.

وهذه أعظم من حيث الجنس من ذنوب الشهوات المختلفة). انتهى

وقال الشيخ العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى:

(الكذب أخبث من البدع يا إخوان، الكذاب أخبث عند أهل السنة من المبتدع، المبتدع يُروى عنه، رووا عن القدرية، رووا عن المرجئة ورووا عن غيرهم من أصناف أهل البدع ما لم تكن بدعة كفرية، ما لم يكن كذابًا، لو كان ينتمي إلى أهل السنة كذاب فهو عندهم أحط من أهل البدع، ومن هنا عقد ابن عدي - رحمه الله - في كتابه (الكامل) حوالي 29 بابًا للكذابين وبابًا واحدًا لأهل البدع وقَبِل أهل السنة رواية أهل البدع الصادقين غير الدعاة) أ. هـ [من إجابة عن سؤال وجه لفضيلته في المحاضرة التي افتتح بها دورة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله العلمية في الطائف بمسجد الملك فهد رحمه الله في الطائف بتاريخ 1426/6/22 هـ].

وقال الشيخ عبيد الجابري - حفظه الله - في كتابه [إتحاف العقول بشرح الثلاثة الأصول - الطبعه الأولى صفحة (38)]:

(البدع ثلاثة أصناف:

  • أولاً: مكفره: كبدعة الرفض، والتجهم، والحلول ووحدة الوجود.

  • ثانياً: مفسقه: كبدعة الاعتزال والتمشعر.

  • ثالثاً: دون ذلك: كالذكر الجماعي.

هذا هو فقه البدعه الذي بينه السلف). انتهى.

وسئل الشيخ زيد بن هادي المدخلي - حفظه الله - هل يصح أن يقال: إن بعض الكبائر أشد إثمًا من بعض البدع؟ فأجاب وفقه الله تعالى جوابًا طويلاً مفصلاً نافعًا اكتفي هنا بنقل الشاهد منه حيث قال:

(نعم، فقتل النفس المؤمنة أشد إثمًا من الذكر الجماعي المبتدع لقول الله عز وجل: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا)، ولم يأت مثل هذا الوعيد لأهل الذكر الجماعي المبتدع وإن كانوا لا يسلمون من الإثم لإبتداعهم، وقد تكون البدعة أشد إثمًا من بعض الكبائر كبدعة الجهمية الذين نفوا عن الله تبارك وتعالى أسماءه الحسنى وصفاته العلى ... الخ). انتهى [المرجع: http://www.njza.net/web/fatwa.php?fatwa_id=5749]

  • ﻻ يجوز التهوين من البدع مطلقًا مهما صغرت. فهي ﻻ تخرج عن كونها شر الأمور وكونها ضلالة وكل ضلالة في النار. بل اﻻصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة.

  • قد يختلف العلماء في بدعية أمر ما فيرى بعضهم أن كذا وكذا بدعة ويرى آخرون أنه ليس ببدعة، ولهذا أسباب كثيرة منها ظهور الدليل عند قوم دون آخرين، ومنها ثبوت الدليل عند قوم دون آخرين، ومنها تفاوتهم في فهم النص ودلالته وغير ذلك من الأسباب المذكورة في مظانها من كتب أهل العلم.

  • وعليه: فلا يلزم إذا قال أحد ببدعية أمر ما كصلاة التسابيح مثلاً لأن الدليل عنده لا يصح أن يوافقه من قال بسنيتها لثبوت حديثها عنده.

  • ولا يتناول هذا البدع الكبيرة والشركية التي لا وجه لها من الوجوه كبدعة التجهم والاعتزال والخروج والإرجاء والرفض.

  • الواجب التريث وعدم الاستعجال في التكفير والتبديع والتفسيق فهذا باب خطير جدًا لذا يُترك للعلماء والقضاة وولاة الأمر ولا يجوز أن يتجرأ عليه كل من هبَّ ودبَّ.

خاتمة

نقل عني بعض الناس أنني أقول الكبائر أشد من البدع وهذا والذي نفسي بيده إما كذب وافتراء وإما سوء فهم وأحلاهما مرٌ!! وهذا الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال الذي أسأل الله أن ينفع به عباده المؤمنين فإن أصبت فمن الله تعالى وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، وأنا راجع عن الخطأ في حياتي وبعد مماتي ولي حق على كل مسلم أن ينبهني على الخطأ إن وجده وله عليَّ أن أدعو له دعوة صالحة. والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات